انهيار المبنى بتل أبيب: من يعلن الإضراب؟، بقلم: وئام بلعوم
عندما تحدُث كارثة طبيعية كبرى، طوفان أو زلزال أو تسونامي يأكل الأخضر واليابس، جُل ما يمكننا أن نقوم به هو أن نقلل الضرر أو نحمي أنفسنا وعائلاتنا أو ببساطة أن نرفع أيدينا إلى السماء. لكن حبذا لو أن ما حدث في تل أبيب صباح الخامس من أيلول/ سبتمبر، هو كارثة طبيعيّة لم يكن بالإمكان تفاديها.
‘صباح يوم عادي’ يقول أحمد، عامل نجا من الحادث الدّامي. فاق من نومه في الخامسة صباحاً، أطفأ المنبّه، حضر زوّادته وأخذ يشرب فنجان القهوة، التي سوف يقطع صفو احتساءها زامور سيارة المعلّم. بقي الصّباح عاديًا. أمور عاديّة؛ اكتظاظ سيارة المعلّم، أزمة السير في الخروج من البلد، أزمة السير على الطريق السريع، أزمة السير على مدخل المدينة الكُبرى. كل شيء عادي وطبيعي، حتى حلّت الساعة الحادية عشر والربع.
حركة ترابيّة خافتة، ثم تيّار هوائي متصاعد، سرعته كالبرق، اقتلعه عن الأرض ودفعه بعيداً هو وزميله، معلناً عن انتهاء أي طبيعي في هذا الصباح. كلاهما لا يذكر شيئاً آخر. أما نحن، كل شيء بدأ يصلنا بالتتابع عبر وسائل الإعلام: انهيار مبنى في تل أبيب. أشخاص عالقون داخل مبنى. عمارة وقعت وداخلها عمال. بدء إجلاء بعض العمال. عشرات الجرحى. ليس الحديث عن ‘عمليّة تخريبيّة’. الحديث يدور عن موقف سيارات مكوّن من أربع طوابق قيد البناء. ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى. خمسة ما زالوا عالقين تحت التراب.
يعمل في مجال البناء حوالي 150 ألف عامل وتُعتبر نسبة الإصابات في صفوفهم هي الأكبر، وتصل إلى 54% من بين جميع مجالات العمل في إسرائيل، مع أن نسبة عمال البناء لا تتعدى 10% من مجمل العمال، وقد وصل عدد القتلى إلى 184 في الخمس سنوات السابقة. ويُشكل العرب الفلسطينيون (الضفة والقدس والداخل) أغلبيّة عمال البناء ويتبعهم العمال الأجانب ومن ثم أقليّة من اليهود، ويشكّل العرب بالتالي أغلبيّة المقتولين والمصابين السّاحقة.
يكفي أن نطّلع على معلومات مركز أبحاث الكنيست لنعلم حجم الجريمة المُستمرّة بحق أرواح العُمّال: يعمل 17 مراقبًا على حوالي 13500 ورشة بناء، أي ما يقارب مراقب واحد على كل 700 ورشة ، أي أنّه يحتاج ربما لعدّة سنوات ليتفقد كل ورشة تقع تحت مسؤوليته. هل من باب الصّدفة أن بعض عمال البناء لم يروا مراقباً في حياتهم؟ وإذ كنا نحث العُمّال على اتّباع تعليمات ووسائل السّلامة لا يمكننا إلا أن نُحمّل المسؤوليّة الكاملة للحكومة المتورّطة في دماء العُمّال، إذ أن المعلومات تدل على عدم تطبيقها لأبسط قوانين الأمان والسّلامة للعامل، فكيف يُحفز الناس على تطبيق القانون دون وجود عقاب لمن لا يُطبقّه؟ ولماذا يتم إنزال العقوبة على من يضع حزام الأمان في السيارة ولا تتم معاقبة من لا يفرض على عمّاله وضع حزام الأمان على علو عشرات الأمتار؟
من البديهي القول إن الإعلام الإسرائيلي لا يُسلّط الضوء على الضحايا، على قصصهم الشخصيّة، أحلامهم وطموحاتهم، معاناة عائلاتهم ومعاناة من بقي من بعدهم. ومن البديهي القول إنّ الحكومة، برغم توجّهات النوّاب العرب (التي أسفرت عن تقدّم غير كافٍ) ومؤسسات المجتمع المدني المُتكررة لا تضع حدًا لهذا الإجرام، بسبب هويّة الضحايا العربيّة الفلسطينيّة أو الأجنبيّة. الإحصائيات التي أعلنت عنها المؤسسة مؤخراً تكفي للكشف عن حجم الإهمال، حيث صرّح مُسجّل المقاولين مؤخراً أنه لم يتم سحب رخصة أي مقاول في أعقاب مقتل 302 عامل خلال العشر سنوات السابقة، وفي معلومات نشرتها وزارة القضاء بيّنت انّها قدّمت 11 مقاول فقط للمحاكمة خلال 6 سنوات، واحد منهم فقط دخل السجن!
لكن لا يكفي أن تصرخ الضحيّة بوجه الظّلم، ولا يمكن للظالم أن يغيّر سياسته دون عَمَل منظّم ووحدوي. ويحمل التاريخ أمثلة لا حصر لها من حالات التنظّم للعمال وقدرته على إحداث تغيير في أحوالهم وظروف عملهم واحترام حقوقهم. ليست المنظومة الإسرائيليّة بتركيبتها عصيّة عن الضغط. يكفي أن نرى كيف تُسيطر لجان عمال الميناء على الاقتصاد الإسرائيلي، مما يعطيها حقوقًا وقوّة فاقت حجم إنتاجها بدرجات. ويعتبر مجال البناء أحد قطاعات العمل غير المُنظمّة بتاتًا، ويعود ذلك لعدّة أسباب، نذكر منها سريعاً: طبيعة العمل حيث البُعد بين أماكن العمل وتغيّرها بشكل دائم، وبالتالي عدم وجود آلية للتواصل بين العمال. وأسباب تعود إلى تاريخ العمل النقابي وقمع محاولات التنظم خارج منظومة العمل النقابي الصهيوني-الأشكنازي وغيرها.
إلا أنّ هذه العوامل أقل تأثيراً إذا ما حضرت إرادة العُمّال واستطاعت الاستفادة من أدوات التواصل والعمل الجديدة. فلنتخيّل أن قطاع عمّال البناء يُضرب عن العمل لعدّة أيّام من أجل تحسين ظروف العمل، أيّة تأثير وأيّة مطالب يمكن تحقيقها حينها؟
ليست عمليّة التنظّم وبناء تنظيم يوحّد عمال البناء سهلاً، لكنّه ممكن. قد يبدأ ببلدان أو بمناطق معيّنة. ولا حاجّة لتبنّي شكل كلاسيكي للتنظّم، ويمكن إنتاج نموذج جديد بحسب ما يحتمه العمل على الأرض. تحتاج عمليّة التنظّم لدعم سياسي يجب أن تبادر له لجنة المتابعة العليا، التي بإمكانها المبادرة لعقد اجتماعات لبدء عمليّة التنظيم، تحديدًا في هذا الظرف الصعب. تحديداً في يوم سقوط المبنى على رؤوس أبنائنا. الظروف الصّعبة قد تُنتج ظواهر كبرى. ليست المهمة سهلة، وهي تحتاج لعمل مضني، وربما تحتم السفر من ورشة إلى ورشة، ومن عمارة إلى أخرى وتحتم العمل مع المقاولين الشرفاء ومع مختصّين في المجال. المهمة ليست سهلة. صحيح. لكن متى حصلت تغييرات كبيرة بسهولة.
لماذا لا تُعلن لجنة المتابعة الإضراب استنكاراً للجريمة، لتكن خطوة أولى للمراكمة لخطوات أكبر؟
هذا هو الشاطرين في العرب اضراب يا عمي هذا الاضراب خطوة اثبتت فشلها الاضراب هو خطوة للفشل والفاشلين الاضراب لا يسمن ولا يغني من جوع الاضراب فكرة بدائية
كنّك بس قريت العنوان وعلّقت؟