انتشرت في هذه السنوات الاخيرة رغبة لدى البعض في تغيير الآخرين، فيما يتعلق بالمعتقدات الدينية والتمثلات الروحانية. وقد شاع ذلك من منطلق أن الاخر مخطئ وانك انت وليس سواك على صواب وما يمت الى هذه القاعدة من التفكير بصلات.
برأيي ان السعي وراء تغيير الآخر لهو ضرب من ضروب العبث، وذلك لسبيين اساسيين: السبب الاول هو استحالة تغيير الآخر من كافة منطلقات الاعتقادات الروحانية. يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: “انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين”، وهذه آية واضحة لا لبس فيها وتعني انه لا يمكنك ان تغير أي شخص، لا سيما ان هذا التغيير هو في حد ذاته نوع من انواع الانتصاب في موضع الله تعالى للإقرار بمن هو ضال ومن هو مهتد.
عندما تريد ان تغير الآخر فهذا يعني انك تتصور نفسك على صواب والآخر على خطأ. في حين ان الله تعالى يقول بصريح قوله: “إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين”.
إذن بالنسبة للسبب الاول فإن تغيير الآخر امر مستحيل لأن الله هو الهادي علاوة على انه نوع من الاستيلاء على دور الله عز وجل.
أما السبب الثاني فهو متصل بالاختلاف. فمحاولة تغيير الآخر تعني محاولة تنميط المجتمع وفيه يصبح كل الناس لهم نفس الرؤية للعالم ونفس التمثلات الروحانية ولهم نفس المعتقدات. وهذا مخالف لإرادة الله حيال الكون وهذا مخالف لإرادة الحياة. يقول الله تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم….”
إذن فإن الخلق نفسه في جوهره ينبع من التباين والاختلاف. والاختلاف اساسي، وهو اختلاف من ارادة الله تعالى الذي خلق كل شيء في الكون. فهل نريد السير ضد ارادة الله معتقدين اننا بهذا نحاول تنفيذ ارادة الله؟ ثمة نوع من التناقض العميق هنا!
يقول الله صراحة: “ولوشاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين”. قد يقول احد: كيف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر إذن؟
بغض الطرف عن ان مفهومي المعروف والمنكر، فهما مفهومان متحولان ومتغيران يختلفان حسب السياقات التاريخية حتى وإن استندا الى تقليد روحاني واحد. بغض النظر عن هذا فالمطلوب وفق الحديث النبوي الشائع “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع بلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان”.
هنا المطلوب هو تغيير المُنكَر وليس المنكِر. ان تغيير المنكر كأن ترى اوساخا وقاذورات في الشارع فتحملها بعيدا. كأن ترى امرا يعيق طريق الناس فتخفف عنهم وتبعده عن دربهم. وتغيير المنكر باللسان هو بالدعوة الى ما تراه انت صالحا بكل لطف وبكل ود. يقول الله تعالى: “ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة….”.
وأحيانا يكون التغيير في القلب لأنه فعلا تأكيد على عدم القدرة على تغيير الآخر. فأنت مثلا عندما تسمع الناس يغتابون بعضهم بعضا، وهذه رياضة عربية بامتياز حتى من يدعون التقوى منهم، يمكنك حين تستمع الى اناس يغتابون بعضهم بعضا ألاّ تشاركهم الحديث.
كل هذا يعني ان ارادة الاختلاف التي جعلتنا نحيا معا في تعدننا وتنوعنا هي امر يجب ان يحترم. وأن تغيير الكون وتغيير الآخر يمكن ان يكون اساسا بتغيير انفسنا. يقول الله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
ولكن لأن تغيير النفس صعب ولأنه طريق وعر ولأنه يحتاج ارادة وصبرا ومثابرة وتجربة وهو مصحوب بالألم في كثير من الاحيان واحيان يتراجع امام اليأس ثم يتقدم مع الاصرار ، لذلك كله فضل بعض الناس ان يمضوا وقتهم يتتبعون ما يتصورنه سقطات الآخرين وعوراتهم بدلا من ان ينتبهوا الى انفسهم وتطويرها نحو الافضل.