انَّ من نعم الله على عباده أن يوالي عليهم مواسم الخيرات؛ ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، فما أن انقضى موسم الحج وعيد الأضحى المبارك !، إلا وتبعه شهر عظيم مبارك، شهر الله المحرم ! وكان واجب علينا اغتنام أيام هذا الشهر الفضيل، بالطاعات والأعمال الصالحة ، لأن ثوابها جليل مضاعف، قال تعالى في سورة الكهف 46: { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً}. إن شهر الله المحرّم يعتبر أحد الأشهر الحُرُم التي قال الله في سورة التوبة 36: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} .
*) عن أبي بكرة رضي الله عنهُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم: ثلاثة متواليات : ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان» رواه البخاري . فضائل صيام النافلة في شهر محرّم:
1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم» رواه مسلم .
قوله: “شهر الله” إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم وفضل وشرف. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان، فيحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله.
2) في العاشر من شهر محرم ، يوم عاشوراء العظيم ،حدث فاصل،حيث نَصَرَ اللهُ تعالى فيه الحق وأزهق الباطل ، ! عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة ، وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟” قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه. فقال صلى الله عليه وسلم: “نحن أحق وأولى بموسى منكم”، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه .
كما ورواه الإمام أحمد بزيادة: «وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً».
إن صيام يوم عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : “إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه”. وقال القرطبي: لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى قبلهم كإبراهيم عليه السّلام.وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة المكرمة قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة!.
*1) فضائل صيام يوم عاشوراء :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه مسلم .
*2) كما يستحب صيام تاسوعاء مع عاشوراء :
روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.” رواه مسلم .
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب: الأفضل أن يصام التاسع والعاشر والحادي عشر حتى يدرك صيام يوم عاشوراء. وأدناها أن يصام عاشوراء وحده، وفوقه أن يصام التاسع مع عاشوراء ، وكلّما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب.
صيا م عاشوراء ماذا يكفّر؟
قال الإمام النووي رحمه الله: يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر .