في بيتنا حاكم عسكري جديد، يبطش ويعبث في الارض فساداً، يتصرف مع بنات وابناء البلد بصرامة ووقاحة لم نعهد لها مثيل. خلافاً للحاكم العسكري التقليدي فهو لا يرتدي البدلة العسكرية ولا يحمل سلاحًا ليبعث الرعب في قلوب العباد، إنّما يأتي بحلّته الجديدة بلباس مدني، مسلح بمصطلحات قانونيّة هشّة تُرهبُ كل من سوّلت له نفسه أن يتساءل عن طبيعة تصرفاته او، ليغفر لنا الرّبّ، ان يعترض على أساليبه في اقتناص ضحاياه.
حلّت علينا بركات الحاكم العسكري الجديد مع تعيين اللجنة المعينة الّتي ارتآها لنا وزير الداخلية آنذاك إيمانًا منه اننا فشلنا بقيادة بلدنا بصورة سليمة، وان المدير الجديد سيقوم بانتشال البلدية من ضعفها ومن قلّة المردود من عائدات “الأرنونا” (ضريبة رسوم الاملاك) التي تحدّ بيننا وبين العيش في نعيم جنّة الله على الارض. ذهب المدير الجديد وما زال الحاكم العسكريّ يُؤنِسُنا بحضوره.
كما اعتدنا في المحاكم العسكرية فالمتهم مدان حتى تثبت براءته- كل مواطن ومواطنة أصبحوا في عِداد المتهربين من الدفع الضريبي، وكل من يتوانى أو يتأخر بدفع ما طُلِبَ منه يجد نفسه محاصرّاً من كل الاتجاهات حتى ان حسابه الشخصي في البنك لا يعود ملكه. أما إذا استمرّ المواطن الذي قد يكون خارج البلاد أو طريح الفراش في “عناده” فحينها سيحظى بزيارة بلطجية شركة الجباية مصطحبين بقوات الشرطة التي تختفي عند الحاجة. يقتحمون البيت منتهكين حرمته ويهدّدون اهله بتبعات تصرفاتهم ويسلبون كل ما طاب لهم باسم القانون، ومن يعترض او يقف في طريقهم فإنّ له معيشةً ضنكا. كل من النساء الحوامل، الأرامل، والشيوخ غير محصنين من هذه السياسة بل أنهم يضربونهم بيدّ من حديد دون أن يرف لهم جفن او يرق لهم قلب. ذلك عدا عن مخافة الأطفال إذ يدبون في نفوسهم الرّعب مرددين دون اكتراث “عادي.. والي مش عاجبو يروح ويشتكي”. سلسلة مدربة من المحاميين تنتظره.
حتى من يخنع لسياستهم “وبمشي الحيط الحيط وبقول يا رب الستيره” يواجه صعوبات غير مبررة، فأي استفسار يُوجّه إليهم من قِبل المواطنين يردون عليه باستهتار “هاظ الموجود” او “توجه لقسم شكاوى الجمهور”. المستضعفون الذين يحصلون على فتات مخصصات التأمين الوطني والذين يستحقون الحصول على تخفيضات واعفاءات بموجب القانون يواجهون الويلات من اجل الحصول عليها، وفي كل يوم يطرأ شيء جديد. الشركة التي استكفت بالأمس بكشف المخصصات السنوي اصبحت تطالب بأوراق ومستندات لها اول وما لها آخر. وطبعاً القوانين المتغيرة لا تنشر في اي مكان انما موجودة فقط في ذهن مندوبي الشركة الذين أصبحوا الكل بالكل.
خرج اهلنا مرات عديدة مطالبين رئيس واعضاء المجلس الذين انتخبوهم بوضع حد لهذا الكابوس ولكن للمنتخبين اجندة اخرى وسلم اولويات يفضل ارضاء الاسياد على حساب العباد. اليوم وبعد مرور سنوات عدّة، لا نرى ثمرة جهود شركة الجباية وما زالت البنية التحتية في بلدنا الحبيب كما هي. خزينة البلدية لم تمتلئ بعد. في المقابل، فقد أدى دخول شركة الجباية- التي تجدر الاشارة بأنها شركة ربحية اي انها تحاول بشتى الطرق زيادة ارباحها والتقليل من نفقاتها- أدى الى زيادة غير معهودة في عدد الحجوزات وغرامات الجباية المبهمة التي تكسر ظهر اهلنا.
لا اعلم ما هي صيغة الاتفاق بين البلدية وشركة الجباية لكني اعلم انها ملزمة بموافقة محاسب البلدية ازاء اي حجز. البلدية تتفاجأ عند كل مصيبة تصنعها شركة الجباية بالرغم من أنها يمكنها وضع حدّ لهذه المحنة وايقاف عمل شركة الجباية اليوم قبل الغد. لم يعد مكان للأعذار والوعود، يجب حلّ المشكلة جذريًّا. امام الادعاءات القائلة مثلاً بأن “الناس لا تدفع بدون شركة الجباية” يجب الوقوف بظهر منتصب والقول انه لا تزر وازرة وزر أخرى. كل من تأخر عن سداد مستحقات البلدية يجب ان يعامل وفق القانون الذي يضمن له حقّه بالمعاملة الكريمة الى جانب ضمان الحقّ العام. إذا كانت بلدية تل ابيب قد فلحت في ضمان حقّها بدون خدمات شركة جباية فبالضرورة بلدية باقة الغربية قادرة على ذلك ايضًا. من هنا اتوجه لرئيس البلدية والاعضاء الكِرام، بأنّه قد آنَ الأوان ان تأخذوا دوركم القيادي وأن تُحّرروا المواطنين من انياب الحاكم العسكري. الحلّ باديكم وبجرة قلم.
هلال علوش- ناشط اجتماعي ومدير حملات في منظمة العفو الدولية “أمنستي”.