كان البيت الابيض ومن له علاقة من قريب او بعيد به يحرص دائما على تصوير الواقع الامريكي على انه خال من العنصرية ومن كراهية الاجانب وكراهية المسلمين والمهاجرين.
وكان الرئيس الامريكي أي كان طوال السنين بمجرد دخوله الى البيت الابيض، يتقمص فورا شخصية الرجل المسؤول الذي لا يتحدث عن كثير من المواضيع التي تقلق الشعب الامريكي، وانما يسعى الى بث الامل والطمأنينة في نفوسهم، لدرجة ان قتل الشرطة لمواطنين سود في عهد اوباما ولا سيما في العام الاخير من حكمه، بات عملية شبه اسبوعية، بينما اوباما لم يجرؤ على تسمية ذلك تمييزا عنصريا ضد السود لأن هذا الخطاب انتهى منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي.
هذه الصورة المسرحية التي تفرض نفسها على الادارة الامريكية كي تبقي الوضع على هدوئه المصطنع في الولايات المتحدة كانت هدفا للمرشح الجديد القادم من خارج الحلبة السياسية.
ترامب كان يتحدث الى الامريكيين كواحد منهم وكأبن حارتهم وليس كشخص يتقن المفردات السياسية. ولو كان سياسيا لتحدث هو الآخر عن الوئام الاجتماعي وعن المصالح الامريكية في بقاع العالم المختلفة وفي حلف الناتو وفي تقبل الآخر المسلم والمهاجر والاسود والفقير ولما كان له من الفضائح النسوية ما يكفي لعدة مسلسلات تلفزيونية.
وإذا تحدثنا عن الفضائح الاخلاقية، ففضائح ترامب كمواطن عادي لا تقاس بفضائح زوج هيلاري، الرئيس الاسبق بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي داخل البيت الابيض وليس في حانة او فندق كفضائح ترامب. والالفاظ والتحرشات التي ارتكبها ترامب بحق النساء لا تقاس بدفاع هيلاري كلينتون كمحامية عن رجل متهم امام المحكمة باغتصاب طفلة عمرها 12 عاما وتخليصه من قبضة القضاء.
ترامب لم يكن دبلوماسيا ولم يكن يفقه شيئا ولا يزال في العلاقات الدولية لأمريكا ولهذا فهو يصرح بأن الناتو عبء ثقيل على الاقتصاد الامريكي وان المساعدات الامريكية لعدد من الدول (بما فيها اسرائيل) ستتوقف وهو لا يجيد التحدث المنمق الذي يجنبه التورط مع الصحافة، لدرجة ان مستشاريه سحبوا منه حسابه على تويتر ومنعوه من استخدامه، فكيف يا ترى سيتسلم الكود النووي الامريكي بعد توليه المنصب؟
فوز ترامب بالرئاسة هو فوز الرجل الواحد، انه فوزه الشخصي فقط وليس فوز الحزب الجمهوري، لأن قياده الحزب الجمهوري تبرأت منه وتخلت عنه مبكرا معتبرة انه يجلب اليها الفضائح بحديثه المباشر بلا رسن وبلا قيود.
وما ساعد ترامب برأيي ان الامريكي العادي وجد بدونالد ترامب ناطقا بأسمه، فنسبة كبيرة من المجتمع الأمريكي حقا تبغض المهاجر وتبغض المسلم وتبغض الاسود حتى وان تسترت على هذا السلوك توخيا للمظهر الليبرالي المتحضر. ترامب القادم من الحارات العادية وليس من اروقة السياسة يتكلم بهذه المفردات ولهذا بدا اقرب الى المواطن من هيلاري.
اما استطلاعات الرأي فهي خير دليل على محاولة المواطن العادي اخفاء كل هذه الآراء ليظهرها فقط وراء الستارة في صندق الاقتراع حيث يكون فقط مع نفسه بلا رقيب.