لعل معظمنا يتساءل كيف انزلقت كارثة طبيعية مثل الحرائق في إسرائيل الى مسطح العمل العدائي المدبر، الذي أصبح لاحقا، عنوان الحدث الفادح بعد ان تمت تبرئة الرياح والجفاف والهشيم في الاحراش والسهول. لقد تمت تبرئة الطبيعة وإدانة المواطن العربي. لقد اعتدنا نحن العرب في هذه البلاد ان نكون شماعة لكل الإخفاقات ومبعدين عن مائدة الانجازات.
بعد يوم “الخميس الأحمر” كلون اللهب، حل يوم “الجمعة الأسود” (Black Friday)، كلون الفحم، وصُدم الكثيرون من أصحاب المنازل بعدما تكشفت امامهم كارثتهم الشخصية، وما فعلت النيران بالبيت الانيق الدافئ الذي بات خرابا تطايرت من فضائه حتى الذكريات.
نعم، ليس كل أصحاب المنازل المتضررة، يملكون بوليصة تأمين لمنازلهم، وهم بذلك مهددون بتحمل كل خسائرهم المادية من جيوبهم. المنفذ الوحيد لهؤلاء المتضررين هو الإعلان عن الحريق الذي تضرر بسببه منزلهم، على انه “عمل عدائي مدبر”. في مثل هذه الحالة ووفقا للقانون، تتحمل الحكومة نفقات التعويض لمن تضررت املاكهم. إذن فالشريحة الأكبر من أصحاب البيوت المتضررة لهم مصلحة في تبرئة الطبيعة واتهام العرب في اشعال الحرائق.
شركات التأمين هي الأخرى، معنية بتبرئة العوامل الطبيعية في هذه الكارثة ودمغ الحدث بالقومي العدائي، لكي تتملص من دفع المبالغ الباهظة لمستحقيها من زبائنها.
عدد من الشخصيات السياسية من اليمين الاسرائيلي (وما أكثرهم) رأوا في اتهام العرب سلما يقودهم الى اعلى درجات المجد القومي في ساعة المحن التي يقف فيها المواطن العادي حائرا يبحث عن عنوان يصب عليه غيظه وحقده المتراكمين، ولا أفضل من العرب في البلاد شماعة تعلق عليها الحكومة كافة اخفاقاتها.
إذن اجمع الجميع على ان الجمهور العربي هو المخرج المشترك والمتفق عليه والذي يفي بمتطلبات كل الجهات عدا متطلبات العربي نفسه… لا بأس فلندفع بالعربي الى وسط اللهب ونكدس الأرصدة السياسية امام العالم!
لو ظهر نيرون الذي حرق روما، في ايامنا لقالوا إن اصوله عربية وانه ارتكب فظاعته تحت وطأة التحريض الفلسطيني. بالطبع، هذا لا ينفي وجود مؤشرات على ان بعض الحرائق قد تكون شبت بفعل فاعل، حتى تلك التي اندلعت في محيط البلدات العربية، والحسم في ذلك لجهات التحقيق لا للصحافيين والمعلقين من أصحاب الاجندة الواضحة. ومع ذلك تبقى مسافة شاسعة بين بضعة حرائق شبت بسبب الإهمال او الاشعال المتعمد وبين العدد الهائل لسائر الحرائق التي اجتاحت البلاد طولا وعرضا.
من نتائج كارثة الحرائق ان أذابت الجليد من على العنصرية المجمدة، وراح الجميع يصيح بنا بلا توقف وبكل صيغ التصريحات، ليلا ونهارا، كبيرا وصغيرا، مسؤولا ومأمورا، كل يقولها بلغته بلا خجل وبلا تردد: “أنتم هناك ونحن هنا!”.
أما نحن فحسبنا لافتات التعايش المشترك التي سقطنا ولم نسقطها. وبين لحظة وأخرى، وجدنا أنفسنا في قفص اتهام بمقاسنا جميعا بلا استثناء. عندها نسينا ما لنا وانشغلنا بالذود عن أنفسنا مما علينا.
من منهم لا يدرك ان هذه المعادلة لم تعد متعادلة في نظر الشاب العربي الذي يملك المعرفة والمقدرة والاعتزاز بالنفس والروح الثائرة على التمييز. لماذا إذن يغضبهم إن أدرك أحد هؤلاء الشباب ما معنى: “أنتم هناك ونحن هنا” وراح يتعامل معهم على هذا الأساس؟ لماذا يسارعون الى رمي من انتصب امامهم بكامل قامته، بالإرهابي القومي المعادي للدولة؟ لماذا لا يحاولون محاورته بمفردات خالية من العنجهية والتكبر، لغة بعيدة عن الاتهامات والتلميحات، لغة إسرائيلية، ليست عبرية ولا عربية.