دولة بأكملها انبطحت امام مجموعة من مخالفي القانون “وفرشت” لهم قرابة 140 مليون شيكل ليتنازلوا عن عنادهم ودلالهم وترك “غنيمتهم” والاستيلاء على “غنيمة” بديلة…دولة بكامل قوامها الإداري والسياسي وقفت على رؤوس اصابعها على مدار شهر ونصف وهي تتملق لمجموعة من “الزعران” اللصوص الذين استولوا على أراض فلسطينية تحت جنح السلطات الرسمية في ما تعرف بمستوطنة عمونا، وقرروا عدم الاستجابة لقرار المحكمة العليا بالإخلاء إلا اذا قدمت لهم الحكومة بديلا يرضيهم.
البديل الذي رضوا به أمس هو الانتقال من البيوت التي اقامتها لهم الدولة في عمونا فوق أراض خاصة يملك أصحابها الفلسطينيون أوراقا ثبوتية مسجلة، الى أراض مجاورة تعتبر “أملاك غائبين” لفلسطينيين يعيشون في مناطق مختلفة وليس على هذه الأراضي، لأنها شبه مصادرة بعد اعلانها منطقة عسكرية مغلقة قبل سنوات.
الانتقال سيتم على مراحل ثلاث لنحو 40 اسرة من المستوطنين، وتكلفة هذا الانتقال التي سندفعها جميعا “كرمال عيون” اللصوص، هي قرابة 3.5 مليون شيكل لكل عائلة، وذلك يشمل تكلفة هدم البيت الحالي وبناء بيت جديد على التلة المجاورة وشق الطرق الجديدة اليه ومد شبكة المياه وشبكة الكهرباء في الموقع الجديد. كما يشمل المبلغ المذكور تكلفة إقامة اسرة المستوطن في فندق على حساب الدولة طوال الفترة الممتدة من هدم المنزل الحالي وحتى الانتهاء من تشييد البيت الجديد في الموقع الجديد الذي يبعد على مسافة لا تزيد عن 150 مترا عن الموقع الحالي، إضافة الى تعهد الحكومة بأن يكون البناء الجديد أوسع وأكبر مما هو عليه في عمونا الحالية وإعداد مساحات واسعة من الأراضي لقدوم مستوطنين آخرين لبناء البيوت فيها.
وكان على اللجنة الحكومية التي ما انفكت تناقش ليل نهار موضوع مستوطنة عمونا، ان توقظ رئيس الحكومة بعد منتصف الليلة الماضية لتحصل على مباركته للاتفاق قبل عرضه على “اللصوص”. فتح نتنياهو عينا واحدة ووافق قبل ان يفتح عينه الثانية واستدار وواصل نومه قائلا: “بعد ان تنتهي جرافات الهدم في عمونا… لتواصل عملها فورا في ام الفحم”.
الآن بقي على الفلسطينيين ممن سيتم الاستيلاء على أراضيهم باعتبارها “أملاك غائبين” ان يسارعوا الى منظمة “يش دين” (יש דין)وتقديم مستنداتهم التي تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي كي لا يصارعوا المستوطنين في المحاكم الاسرائيلية مدة عشرين عاما أخرى مثلما فعل أصحاب الأراضي المقامة عليها عمونا الآن.
أما “أملاك الغائبين” فهي عادة أراض تقع خارج القرية يستولي عليها الجيش الإسرائيلي “صاحب السيادة” على الأرض المحتلة وفقا للقانون الدولي، ويعلنها منطقة عسكرية مغلقة. وبإمكان الجيش الإبقاء على هذه الأراضي مغلقة بوجه أصحابها على مدار عشرات السنين، مع ان أصحابها او بعضا منهم يعيشون في القرية المجاورة.
ولمن لا يعرف، فالقانون الدولي لا يسمح لحكومة الاحتلال ان تتصرف بالأراضي المحتلة وإقامة أي منشأة مدنية عليها، ويعتبر جيش الاحتلال هو “صاحب السيادة” الذي يحق له التصرف بهذه الأراضي التي احتلها وليست حكومة الاحتلال، أي بوسع الجيش إقامة منشآت عسكرية عليها فقط.
ولكن إسرائيل تخالف القانون الدولي وتقيم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وهي منشآت مدنية مع ان المستوطنين عادة مسلحون. ولكي ترضي الرأي العام الدولي لئلا يحتج على ذلك، سنت اسرائيل قانونا ينص على حظر الاستيلاء على أراض فلسطينية ذات ملكية خاصة، أي يملكها افراد فلسطينيون ولديهم أوراق ثبوتية بذلك، وكانت “أملاك الغائبين” لغاية الآن ضمن الأراضي المحظور الاستيلاء عليها وإقامة المستوطنات فيها.
ولكن التفاهم الجديد مع مستوطني عمونا، دفع السلطات الإسرائيلية الى كسر المحظور “كرمال عيون بهية”، المستوطنون، وترتيب الاستيلاء على الأراضي المجاورة لعمونا وغالبيتها أراض مصنفة على انها “أملاك غائبين”. أي لأول مرة ستشرع إسرائيل بمصادرة الأراضي الشخصية وليس فقط الأراضي بين البلدات الفلسطينية التي يفترض ان تكون ملكيتها للدولة الفلسطينية العتيدة.