يحمل المسجد الأقصى مكانة عظيمة لدى المسلمين، إذ يعد أحد أهم المساجد التي دعت الديانة الإسلامية إلى شد الرحال إليها، فالمسجد الأقصى يعتبر عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين الذين يبتهلون في اليوم والليلة ليتحقق حلمهم بزيارته والصلاة فيه.
وتحولت زيارة المسجد الأقصى إلى حلم لدى ملايين المسلمين، بعد سيطرة الاحتلال على الشطر الثاني من مدينة القدس عام 1967، وإخضاعها إلى سيطرته، مما أدى إلى حرمان ملايين المسلمين من زيارة مسجدهم، تماشيا مع الفتاوى التي خرج بها مشايخ الإسلام خوفا من أن تكون زيارتهم له جزءا من التطبيع مع الاحتلال.
ورغم سنوات القحط التي لم تثمر بها أي جهود لإنهاء الاحتلال واستعادة القدس والمسجد الأقصى، ابتكرت الدكتورة الفلسطينية منال دنديس فكرة تمكن جميع التواقين إلى زيارة المسجد الأقصى من تحقيق حلمهم، إذ هيئت لهم واقعا افتراضيا يصحبهم بجولات تعريفية داخل المسجد الأقصى.
يُمَّكن الموقع الالكتروني “روح القدس” الذي أنشأته دنديس متصفحه من التعرف على معالم المسجد الأقصى التي يصل عددها إلى 130 معلما، إذ يصحبه بجولة داخله بمرافقة مرشد يروي له أسماء المعالم وتاريخها وهو في منزله.
و قالت الدكتورة منال دنديس : “يشعر متصفح موقع (روح القدس) وكأنه يتجول فعلا في المسجد الأقصى، إذ تمكنه خاصية 360 درجة التي اتبعناها بالتصوير والدقة العالية لجودة الصورة من رؤية المعلم وما يحيط به من جميع الاتجاهات، وذلك في قسمي (صور 360) و (فيديو 360) والذي ويرافقه بتجواله من خلاله بالإضافة إلى صوت المرشد السياحي الذي يعطيه نبذه عن المسجد الأقصى ومعالمه، الصوت الطبيعي لفضاء المسجد الأقصى الذي يضم صوت الهواء وزقزقة العصافير وحفيف الأشجار” .
كما ويمكن للمتصفح أن يختار سماع أذان المسجد الأقصى في رحلة تجواله، أو موسيقى فلسطينية روحانية تتماشى مع قدسية المكان، فالقائمين على الموقع أسسوه ليشعر الزائرة بعظمة وقدسية المكان حتى ولو بصورة تقريبية.
وفي حالة أراد المتصفح معرفة تاريخ كل معلم ما عليه سوى الضغط عليه بزر بهاتفه الذكي أو جهازه الحاسوب، وستظهر له المعلومات على شكل نص أو يمكنه سماعها أيضا بثلاث لغات وهي العربية والإنجليزية والفرنسية وذلك عند تصفحه قسم الموسوعة المصورة، التي تمكنه من رؤية المعلم بكافة تفاصيله.
أما القسم الرابع الذي اختارت دنديس أن تطلق عليه الصور الجمالية فيستطيع المتصفح من خلاله اختيار أي نافذه من نوافذ المسجد الأقصى لجعلها إطار لصورته على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كما تمكن المتصفح من اختيار أي موقع في المسجد الأقصى لالتقاط صورة مكتوب عليها “الأقصى يشتاق إليك ويكتب فيها الاسم الذي يريده”.
كما ويحتوي قسم الصور الجمالية زاوية “قدّس حجتك” والتي تمكن الحاج من دمج صوره مع معالم المسجد الأقصى، والجمع بين معالم مكة والمدينة والأقصى معا في صورة واحدة. وأوضحت الدكتورة دنديس خلال حديثها مع “ديلي 48” أن فكرة قدّس حجتك جاءت من وحي الدولة العثمانية التي كانت تطلب من الحجاج زيارة القدس بعد أداء مناسك الحج لتقديس حجتهم، وبما أن الاحتلال قطع هذه العادة أرادوا هم اعادتها حلى لو بالصور.
“انطلقت فكرة روح القدس من اشتياق كثير من المسلمين لزيارة المسجد الأقصى، وحتى الفلسطينيين من المسلمين الذين يمنعهم الاحتلال من استصدار تصاريح لدخول القدس، فأنا أسكن مدينة الخليل ولا أستطيع زيارة المسجد الأقصى إلا مرة واحدة خلال العام في شهر رمضان، وهناك الآلاف من الشبان الفلسطينيين لا يستطيعون زيارته إطلاقا حتى في رمضان، فأردنا تحقيق حلمهم حتى ولو بزيارة افتراضية” قالت دنديس.
وخلال إعداد دنديس لموقع روح القدس والذي سينطلق ويصبح متاحا للجميع في شهر آذار الجاري، تعرضت دنديس للعديد من التحديات، منها ما كان تقنية كون الفكرة جديدة من نوعها، وحواجز الاحتلال التي منعتها من التواجد في منطقة التصوير، كما أن اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى منعتهم من التقاط الصور في كونهم لم يريدوا اظهار المستوطنين كرواد للمسجد بالإضافة لمنع الاحتلال المصورين من التقاط الصور أثناء ساعات الاقتحام.
وبالإضافة للتحديات السابقة كان التحدي المالي دور كبير في تأخير الانتاج كون فكرة المشروع لم تلق دعم من أحد فاضطرت دنديس إلى بناء الموقع بتمويل ذاتي.
يبتكر الفلسطينيون أساليب شتى ليرووا ظمأ حرمانهم من أرضهم وأقاربهم، إلا أنهم دائما يؤكدون أن مهما ابتكروا من أساليب فإنها لن تعوضهم عن أرضهم التي سيستعيدونها في يوم من الأيام.
المصدر: موقع “ديلي 48”