انصح نفسك بالشك برغباتها، وانصح عقلك بالحذر من خطراته، بقلم هاني حاج يحيى
“المدينة” ليست بالحيز الذي يجتمع فيه الناس للأكل والشرب والنوم والعمل، بل هي منظومه اداريه خدماتية تعمل وفق القانون من اجل رفاهية امن وامان ساكنيها وخدمتهم والتخطيط والرعاية لمستقبل أفضل لهم.
ولعل الشريحة الأهم في دائرة القاطنين في المدينة هي شريحة الأبناء والبنات في طفولتهم وبلوغهم تلك السنوات التي يقضونها على مقاعد الدراسة والتفهيم، في بيوت التربية والتقويم، تحت رعاية جهاز التربية والتعليم. ومن حول هؤلاء البراعم والازهار والغصون الغضة تدور ما لا نهاية لها من القوى التي تتدخل وتؤثر على مجريات العملية، واتخاذ القرار، ورسم الأهداف، وصرف الأموال مثل الدولة ووزاراتها، والبلدية واراداتها، الشركات الربحية واطماعها، المؤسسات الدعوية واهدافها، القوى السياسية ومخططاتها، الجمعيات والافراد النفعية.
كل هذا قوى تعمل جاهدة في جهاز التعليم ولكل دوافعه وأهدافه الخاصة. ولكن طبقا لفيزياء الجزيئات – عندما تكون عدة قوى كل يشد لاتجاهه ” فالعجلة ستبقى غارزة في الوحل”
نحن في مدينتنا فزنا بضخ وجبة دسمة في عروق جهازنا التعليمي، من المدارس الجديدة، والمدراء يتبعهم النواب والإدارات والكوادر التعليمية والخدماتية، والتنمية والتطوير البيئي.
والمحور الأساسي في هذه الحراك التربوي هو دور وشخصية المدير. الذي تقع على عاتقه المسؤولية وله السلطة من اجل النهوض بالعجلة ودفعها قدما على الطريق الصحيح الي ارض الميعاد، وهذا هو المدير الذكي المدبر. واما المدير الفطن المجرب لا تقع عجلته في الوحل من البداية.
“المدينة الصالحة” تنجح في اختيار مدراءها في كل مؤسساتها واهمها مدارسها.
وهل من الممكن التكهن والتخمين بنجاح اختيار المدير المثالي، وما هي طرق التكهن والتخمين هذه وما هي نسب نجاحها؟
يتفق الخبراء على ان نسب النجاح بالتكهن تتراوح بين ال 40 بالمئة وحتى 60 بالمئة بمعدل 50 بالمئة.
بعيد عن الحالة الخاصة لمدرائنا الجدد الذين نريد لهم التمتع بالقيم والأخلاق الإنسانية، والقدرات الفكرية والعلمية، والحماسة لخدمة مجتمعهم، واخلاق المهنة وقواعدها، والخبرة والمراس. نرجو لهم النجاح والتوفيق. فالعام في عمليه اختيار المدراء في لجان وزارة المعارف قد تكون سيناريو لأحدى حلقات ياسر العظمة. ولا نحمل الاثم لشخص ما فهذا حال يتوارثونه خلف عن سلف.
ففي حين الفحوصات لوظائف إدارة في المرافق العامة او الخاصة (قد يكون المدير مسؤول عن نفسه او طاقم صغير جدا) قد تستمر أحيانا أسابيع او شهر او شهرين. فان اختار مدير مدرسة (يدير طاقم واسع من المهنين الأكاديميين ومسؤول عن مئات الطلاب) يذكرني بلقاء لاختيار طالب جامعه لمهمه نادل في مطعم. لقاء في لجنه العطاءات لاختيار مدير مدرسه يقتصر على ربع ساعة لعرض السيرة الذاتية وتقديم الشهادات والاعتمادات.
حسب تعليمات المدير العام لجنه العطاءات تشمل ممثل الوزارة، ممثل السلطة المحلية، وممثل عن نقابة المعلمين. يكون القرار للسلطة المحلية وممثل الوزارة ونقابه المعلمين ضيفي شرف.
شروط المناقصة اساسية وسهلة المنال (شهادة اعتماد إدارة، الدرجة الأكاديمية الثانية “ماجيستير”، خبرة خمسة سنوات في مجال التعليم).
لجان العطاءات تجتمع وتختار في شهر تموز والسنة الدراسية تبدأ مع نهاية أب وبداية شهر ايلول، ونتوقع من المدير الجديد تعلم الادوات وعلوم الإدارة الصحيحة في وقت كافي، ارشاد وتمكين افراد طواقمه، تحضير خطه تعليم منهجيه وأخرى غير منهجيه وسله ثقافيه والتعرف على خطط ” الأفق الجديد …” وتفعيلها وبناء برنامج الدروس التعليمي والتعرف على المعلمين ومشاكلهم والطلاب ومشاكلهم، ورسم افق تربوي وتعليمي، التعرف على شركائه في العمل: جمهور الاهل، السلطة المحلية، الوزارات، ومن ثم تسير طاقم المعلمين والطلاب خلفه الي الأهداف المشتركة دون استهلاك سلطته ودون النزاع واسقاط الجرحى في الطريق .
مدراء اليوم ليسوا مدراء الغد، وما كان لن يكون بعد اليوم، وما كان حتى اليوم لا يشير الي ما سيكون.
ان وجود العديد من المدارس كما لم يكن سابقا، سيفتح باب المنافسة، واولياء الأمور سيطالبون بنتائج أفضل وتحصيل اجود واعلى، والمدارس مطالبه بميزات تؤهلها التنافس.
والدعاية التي لا عمل معها لا تثمر الخير كالرعد الذي لا ماء معه لا ينبت العشب.
ولعل من اهم الدعامات للمدراء الجدد، الترحيب بالأهل وكسبهم، والاستفادة من خبراتهم وطاقاتهم الصادقة، والعمل المنظم والمدروس لإرشادهم وتمكينهم للمشاركة الصحيحة الهادفة.
ومن دعامات ومسببات النجاح للمدير الجديد، الاستفادة من برنامج ارشاد شخصي مهني من اجل تأسيس مركزه، وإعطاءه فرصه تعلم وظيفته من خلال الممارسة الحقيقية دون احداث اضرار، وتلقي الارشاد والتوجيه في مواجهة المعضلات في ممارسة وظائفه. حتى يكتسب التجربة أثر التجربة غرفا من البحر او رشفا من الديم.
و”التجارب تنمي المواهب، وتمحو المعايب، وتزيد البصير بصرا، والحليم حلما، وتجعل العاقل حكيما، وقد تشجع الجبان، وتسخي البخيل، وتلين القاسي، ومن زادته عمي على عماه، وسوءا على سوئه فهو من الحمقى المختومين”