وقعت مجزرة كفر قاسم في مساء التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956م، وقتل فيها حرس الحدود الإسرائيلي 49 مواطنا من أهل كفر قاسم، أطفالا ونساء، رجالا ومسنين.
وقعت مجزرة كفر قاسم في مساء التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956م، في نفس اليوم الذي أشعلت إسرائيل حرب السويس العدوانية على مصر على إثر تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس انطلاقاً من حق مصر في السيادة على أراضيها تمشياً مع مبادئ القانون الدولي.
في نفس اليوم الذي أشعل فيه الجيش الإسرائيلي الحرب على مصر، ارتكب مجررة كفر قاسم لإدخال الخوف والذعر في نفوس الأقلية العربية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 والاستمرار في ممارسة الإبادة وتطبيقاً للتعاليم التوراتية التي ترفع إبادة غير اليهود وبشكل خاص العرب إلى مرتبة القداسة الدينية تحقيقاً لأطماع اليهودية العالمية في الأرض والثروات العربية.
في نفس ذلك اليوم قامت مجموعة عسكرية بقيادة الرائد شموئيل ملينسكي واتخذت مواقعها على المعابر الرئيسية لقرية كفر قاسم، وكان الرائد ملينسكي قد تلقى تعليمات من قائده يسخار شومي بفرض حظر التجول على القرية وإطلاق النار على كل من ينتهك الخطر.
وأعطاه تعليمات بقتل العمال والفلاحين المتواجدين خارج القرية قبل حظر التجول بعد عودتهم من أماكن عملهم ومزارعهم بعد الساعة الخامسة، وعندما سأل ملينسكي قائده شومي عن مصيرهم أجابه قائلاً: “لا أريد عواطف، الله يرحمهم”.
احتلت قوات الجيش الإسرائيلي مداخل القرية وأقفلتها، وتوجه الرائد ملينسكي إلى مختار القرية وأخبره في تمام الساعة الخامسة إلا ربعاً بفرض حظر التجول على القرية بدءاً من الساعة الخامسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، فأخبره المختار بوجود العديد من العمال والفلاحين خارج القرية ولا يستطيع إبلاغهم بحظر التجول خلال ربع ساعة، فأكد له الرائد في الجيش الإسرائيلي بأن جيشه لن يمسهم بسوء أو بأذى.
وأصدر ملينسكي تعليمات مشددة لضباط وجنود الكتيبة بتصفية كل عربي ينتهك حظر التجول، وبالتحديد “العمال والفلاحون” العائدون إلى منازلهم ولا يعرفون بحظر التجول.
بدأ العمال والفلاحون العرب بالعودة إلى القرية بعد الانتهاء من عملهم وقبيل غروب الشمس بالسيارات والعربات والدراجات وسيراً على الأقدام.
أوقف الجيش الإسرائيلي السيارة الأولى التي وصلت، وطلب الجنود من الركاب النزول لتفتيشهم وأمروهم بالوقوف، وصدر الأمر “احصدوهم” وأبادوا جميع ركاب السيارة.
ووصلت سيارة أخرى بعد فترة وجيزة من إبادة الدفعة الأولى فأوقفها الجيش الإسرائيلي وأمر ركابها بالنزول بحجة التفتيش وأمروهم بالوقوف في صف واحد وحصدوهم عن بكرة أبيهم.
ووصلت السيارة الثالثة وكان فيها (14) امرأة و(4) رجال وتابعت سفرها دون توقف، وطالبها الجنود بالتوقف فتوقفت فأمر الجنود الركاب بالنزول، ولكن النساء اللواتي شاهدن الجثث على جانبي الطريق، أخذن يتوسلن الجندي الرأفة بهن، ولكنه لم يستجب إلى توسلاتهن.
وعندما نزل جميع ركاب السيارة أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم فقتلوا (17) وجرحت حنا سليمان عامر (14 سنة) في رأسها ورجلها وبدت وكأنها ميتة.
ووصلت السيارة الرابعة وشاهد سائقها الجثث المنتشرة على جانبي الطريق، فلم يستجب إلى أوامر الجيش الإسرائيلي، وهرب بسيارته بأقصى سرعة والجنود يطلقون الرصاص على الشاحنة ووصل إلى القرية ليجد بداخل الشاحنة العديد من القتلى والجرحى.
وعندما وصلت عربة يجرها بغل وفيها عقاب بدير، وتوفيق يدير أوقفها الجنود وأوقفوا معهم العديد من راكبي الدراجات وأمروهم بوضع دراجاتهم بجانب العربة والوقوف صفاً واحداً، وبلغ مجموع الذين أوقفهم الجيش الإسرائيلي في الصف (13) وصاح جندي بالجنود اليهود المتأهبين “احصدوهم” فحصدوهم ولكن تمكن المدعو مصطفى من الهرب.
حدثت إبادة ركاب السيارات الأربع والعربة والدراجات دون أن يعلم أحد في داخل قرية كفر قاسم بما حدث عند حاجز الجيش الإسرائيلي على مدخل قريتهم.
فتابع الجيش الإسرائيلي المجزرة داخل القرية وذلك عندما خرج أحد الأطفال البالغ من العمر 5 سنوات لإحضار علبة سجائر من منزل صاحب الدكان المجاور لمنزل والده، وعندما شاهده الجنود أطلقوا عليه الرصاص ووقع على الفور يتخبط بدمائه، فاندفعت أُمه راكضة نحوه لاحتضانه ولإنقاذه فأطلقوا الرصاص عليها وسقطت على الأرض واختلط دمها بدم طفلها، محتضنة فلذة كبدها ولفظا أنفاسهما سوية ليختتما المجزرة الجماعية الرهيبة التي بلغت حصيلتها (51) قتيلاً من المدنيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
انتشرت أخبار المجزرة وسط عرب الأراضي المحتلة عام 1948 ومنها إلى الرأي العام العربي والعالمي مما دفع بإسرائيل إلى تقديم القتلة إلى محاكمة صورية استمرت حوالي العامين، وأصدرت الحكم على الرائد ملينسكي بالسجن (17 سنة) والملازم جبرائيل دهان بالسجن (15 سنة)، وصدرت أحكام بحق الجنود الذين اشتركوا بالمجزرة بالسجن مدداً تصل إلى خمس سنوات، ولكن لم يقض أي واحد من المجرمين مدة الحكم الصادر بحقه، فقررت محكمة الاستئناف العليا الإسرائيلية أن الأحكام شديدة وصارمة فخففتها، ثم قام رئيس أركان الجيش وخففها، كما خففها رئيس الدولة ولجنة الإعفاء وعين المجرم ميخائيل دهان رئيساً للقسم العربي في بلدية الرملة.
تذرع الرائد ملينسكي بارتكاب المجزرة بحجة أنه وقع ضحية إخلاصه لتنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة إليه من قائده العقيد شومي الذي أمره بتصفية المدنيين العرب، العائدين من أماكن عملهم.
وتذرع العقيد شومي بنفس الحجة وقال إنه كان ضحية إخلاصه هو الآخر للتعليمات العسكرية الصادرة إليه من الجهات العليا في الجيش الإسرائيلي.
وصدر الحكم بحق العقيد شومي بتغريمه أغورا، أي قرش واحد لمسؤوليته عن إصدار الأوامر لارتكاب مجزرة كفرقاسم التي ذهب ضحيتها (51) من المدنيين العرب وعشرات الجرحى.
أظهرت مجزرة كفر قاسم بجلاء تغلغل فكرة قتل العرب وإبادتهم في الجيش الإسرائيلي، لترحيل الفلسطينيين بالقوة عن طريق بث الخوف والرعب في قلوبهم ولإجبارهم على القبول بالاستعمار الاستيطاني وسرقة أراضيهم وممتلكاتهم وتدمير منجزاتهم وتهويد أراضيهم ومقدساتهم.
ويخدم ارتكاب المجازر الجماعية كمجزرة كفر قاسم ودير ياسين وصبرا وشاتيلا والاغتيالات المستمرة وتدمير البنى التحتية والمنجزات الاقتصادية والتعليمية والعمرانية إنجاح الاستعمار الاستيطاني وتهويد فلسطين.