في هذه المقالة تتناول المستشارة التربوية ومدربة التنمية البشرية، أحلام جمعة، إحدى أبرز القضايا التي تؤرق المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، وهي قضية العنف والجريمة، الاخذتان بالتصاعد، إذ تستعرض أشكالهما عديدة واسبابهمها ودوافعهما، في إشارة بأن المجتمع بأكمله مسؤول عن هاتين الظاهرتين، بدءا من الاسرة وإلى الشارع، وتطرح توصيات تربوية للأباء!
“لا للعنف”، “انا ضد العنف”، “سنكافح العنف”… شعارات عديدة تطلق من خلال شبكات التواصل الإجتماعية بعد كل إعلان عن جريمة جديدة. الجريمة لم تتوقف ولم تخف حدتها، أحداث العنف وإطلاق الرصاص ما زال نشطا في بلداتنا العربية، ولا يجد من يوقفه. وقفات الإستنكار الغاضبة لم تجد لها صدى، المؤتمرات والدراسات التي خصصت “لمكافحة العنف” لم تتمخض عن برامج وخطط عملية والإحصائيات السنوية التي ترصد أحداث العنف في مجتمعنا العربي لم تأت بما يبشر بمستقبل أفضل.
العنف لم يولد فجأة والقتل لم يكن السلوك العنيف الوحيد الذي نشهده في حياتنا اليومية. العنف له اشكال عديدة واسبابه ودوافعه ليست واحدة. أهمها، تبريرنا لتصرفات اخرى عنيفه وقبولها كسلوكيات مألوفة وكعادات اجتماعية متبعة والامثلة كثيرة، منها: الاساءة الكلامية للآخرين، مضايقة السائقين أو المارة في الشارع، إغلاق طريق او مدخل بيت بسيارة عابرة، إغلاق شارع، إلقاء الأوساخ في الأماكن العامة، إستيلاء على ممتلكات وأموال خاصة وعامة للإستفادة الشخصية، إستخدام الغش في البيع والشراء والمعاملات المختلفة كوسيلة ذكيه للربح، استغلال ضعف الآخرين والسيطرة عليهم، مناصرة ذو المال او الجاه او المنصب حتى لو كان ظالما لكسب مصلحة شخصية، إشاعة الفتن والكذب لتحقيق مأرب، السكوت عن الحق وتأييد الظلم والمشاركة به، نشر خصوصيات وفضائح الآخرين على وسائل الاتصال وعدم ايقافها، تناقل أخبار ونشرها دون التحقق من صحتها، وغيرها الكثير من السلوكيات المؤذية التي لا يمكن حصرها هنا.
من المسؤول؟
كل شخص من موقعه هو مسؤول بما يتطلب منه دوره ووظيفته. أولهم الأباء والأمهات المسؤلون عن تربية أبنائهم، والمدير والموظف والعامل في المؤسسات العامة والخاصة، والأجير في مكان عمله، والمار في الشارع، والسائق والبائع والمعلم والمواطن البسيط وكل فرد في المجتمع اينما كان، مطالب بان يكون فردا صالحا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر اذا رأه.
ما العمل؟
العنف المجتمعي يتكون بوجود بيئة محفزة، حيث يبدأ صغيرا ثم ينمو ويكبر تدريجيا حتى يستفحل ويصعب إستئصاله. معالجة العنف هي ايضا عملية مركبة وتدريجية وطويلة الامد، وتحتاج إلى تعاضد وتداخل مجتمعي لتوفير بيئة رافضة للعنف بكل انواعه دون تجزئة.
كيف يمكن ان نعالج العنف؟
1- البدء بالاجيال الصغيرة لتنشئتها تنشة ايجابية خالية من العنف الكلامي والسلوكي بهدف بناء جيل جديد صالح وغير عنيف. يتم ذلك عن طريق توفير خدمات ارشادية لتأهيل الاسرة، لمهمة التربية وإكسابها ادوات ومهارات التعامل مع الأبناء في جميع المراحل العمرية، دون إستخدام العنف. كذلك يجب بناء مراكز مختصة لتأهيل الازواج الشابة للحياة الزوجية والاسرية قبل الزوج وبعده وتحضيرهم للتعامل السليم مع تحديات وضغوطات الحياة المتوقع مواجهتها.
2- اعادة ترتيب سلم الاولويات في البرامج المدرسية ووضع التربية في أعلى السلم قبل العلامات المدرسية. يتوجب تدريس الطلاب مهارات ضبط النفس والتعامل السليم مع الاحداث الضاغطة، التعبير عن المشاعر اثناء الغضب، إحترام الذات وإحترام الاخرين, وإستبدال لغة العنف الدارجه بالقيم والنماذج التربوية المستقاه من القران والسنة النبوية، والتي تحث على التعامل الايجابي والحسن تجاه الاخرين مثل: مقابلة السيئة بالحسنة،, كظم الغيظ، المسامحة والعفو عن الناس، الكلمة الطيبة وحسن الجدال وغيرها من القيم العليا.
3- على مستوى البلدة، يجب توفير بيئة سكنية تضمن تلبية الاحتياجات المادية والمعنوية للافراد، حيث يكون الفقر والاحباط احد المحفزات لتولد العنف.
توصيات تربوية للاهل
العنف هو سلوك مكتسب والتنشئة الأسرية هي اهم العوامل المولدة للعنف لدى الأبناء، ولذلك:
– لا تتركوا ابنائكم يترعرعون على مشاهد العنف على الشاشة، سواءً من خلال الرسوم المتحركه أو الالعاب الالكترونية أو الأفلام او غيرها من البرامج.
– لا تقسو على ابنائكم ولا تعنفوهم حتى لا تقسو قلوبهم عليكم وعلى غيركم، وعلموهم معنى المحبة والتراحم، فمن نشأ على المودة والرحمة لا يجرؤ على ايذاء غيره.
– لا تدللوا ابنائكم ولا تربوهم على الاتكال والانانية، ذلك سيفقدهم الاحساس بالاخرين ومن ضمنهم انتم.
– إحترموا أبنائكم وهم اطفالا حتى يتعلموا احترامكم وإحترام كباركم. فقد امرنا صلى الله عليه وسلم بذلك لقوله: “ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”.
– علموهم ان القوي هو من يملك نفسه عند الغضب وأن إستخدام العنف هو من مواطن الضعف. علموا أبناءكم أن من استفزني بنظرة او مسبة مقصودة او كلمة بذيئه لا ينقص من كرامتي او يجعلني “جبانا”، إذا لم ارد له الصاع صاعين أمام زملائي واصدقائي، بل يجعلني أقوى حين اضبط نفسي واجد سبلا افضل للرد.
– علموا ابنائكم ان السلاح لم يصنع كي يستعمله الانسان لمحاربة اخيه وابن بلدته. فمن يقتل نفسا بغير حق لهو عند الله اعظم من زوال الدنيا وما فيها.
– المطالبة بجمع السلاح هي حق اساسي ولكنها ليست الحل الوحيد لمنع إستخدامه. المشكلة تكمن بمن يختار ان يقتنيه ويتباهى بحمله ويعتبره رمزا للرجوله. علموهم أان حمل السلاح لا يزيد من رجولتهم بل ينقص منها، واعلمو ان من اقتنى سلاحا فقد قرر ان يستعمله واختار ان تكون له ضحية لا ذنب لها.
– علموا ابناءكم ان يقولوا كلمة لا عند الحاجة. إمدحوهم وارفعوا ثقتهم وتقديرهم لانفسهم ولا تتركوا فراغا في حياتهم يملؤه اصدقاء السوء.
– علموا ابناءكم ان يحلموا بمستقبل مشرق يتمنونه ويطمحون له. اذا هم حلموا بحمل السلاح ليستمدوا قوتهم ورجولتهم منه، فاعلموا انكم فشلتم في دوركم كأباء بمنحهم الشعور بالأمان وبالقيمة وانهم يستحقون حياة كريمة .
– علموا ابناءكم ان جميع الشرائع السماوية حرمت القتل، وامرت بان لا يعين احد قاتلا او يشاركه في القتل، وأن من إستطاع أن يفلت من قصاص القانون فلن يفلت من قصاص الله عز وجل.
وخلصت جمعة:
راقبوا ابنائكم وشاركوهم حياتهم وكونوا مستمعين وداعمين ومتواجدين لهم وقت الحاجة. ابنائكم امانة بأيديكم فأحسنوا تربيتهم وتاديبهم فأنتم ستسألون عنهم يوم الحساب!.