ما أن تجرأت الممثلة الامريكية روز مكغاون على الخروج بوجه مكشوف امام العالم وتتقدم بدعوى ضد المنتج السينمائي الأمريكي، هارفي واينستين، متهمة إياه بأنه اغتصبها مستغلا حاجتها لأداء دور سينمائي، حتى انتشرت حملة واسعة وسريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ: (وانا أيضا) #Me_Too، وفيها راحت العشرات من النجمات السينمائية والتلفزيونية والمشاهير (سيليبرتي) بشكل عام، كل تكشف حالة من المضايقة الجنسية تعرضت لها في حياتها او حتى اعتداء جنسي مباشر، دون ان تملك الجرأة في الماضي للتحدث عن ذلك او التقدم بدعوى ضد المتحرش او المعتدي.
امتدت هذه الموجة من الاعترافات خلال أيام معدودة، في كل الاتجاهات في العالم اجمع حتى بلغت إسرائيل. وصرنا نسمع كل يوم اعترافات نجمات تلفزيونية ومغنيات وممثلات وصحافيات يعترفن بما تعرضن له من قبل زملائهن ورؤسائهن في العمل، وبتنا نعرف بعض مشاهير الرجال بصورة اقل لمعانا عما كانوا في نظرنا من قبل، بعد كشفهم كمتحرشين استغلوا مناصبهم وحاجة النساء من حولهم لـ”مكارمهم” فنهشوا اجسادهن ضريبة لحاجتهن.
وبينما يواجه المنتج الأمريكي المذكور الآن عدة ملفات قضائية بالتحرشات والاعتداءات الجنسية، فإننا لم نسمع عن نجمة عربية واحدة تملك الجرأة على كشف ما تعرضت له من مضايقات او تحرشات او اعتداءات، فما بالك ان يصل الاعتراف حد الكشف عن اغتصاب، ونحن العرب لسنا من الملائكة.
ما من شك بأن التحرشات الجنسية إن لم تكن الاعتداءات الجنسية المباشرة، هي ظاهرة قائمة في المجتمع العربي وفي أماكن العمل العربية أيضاً مثلما هي منتشرة في أي مكان آخر، بل يمكن القول ان هذه الحالات في اماكن العمل لدى العرب تأتي أشد قسوة على الضحية نظرا لظروف التكتم التي تحيط بها خشية تداعيات الخوض في مواجهة هذه المشكلة وتبعاتها الفادحة والفاضحة.
بعيدا عن التعميم وعن الإتهام الجارف، إذ أن هناك رؤساء عمل في مجتمعنا العربي يحترم الواحد منهم نفسه بعمق قبل ان يحترم مرؤوساته. ولكن حديثنا هنا عن الموظفات اللواتي يعانين مضايقات مسؤولي العمل في بلداتنا العربية، وعندها، لا هي قادرة على تحمل التصرفات المقرفة لرئيسها وذويه من المسؤولين في العمل ولا هي قادرة على التذمر امام ذويها ليقينها بما قد تصل اليه الأمور. فتصمت على مضض.
مجتمعنا العربي ككل المجتمعات يحتوي بداخله على بعض محاسن المجتمعات ولكنه ينضوي على موبيقات لا عد ولا حضر لها وعلى مظاهر بشعة اخرى، غير أن ما يميزه عن بقية المجتمعات، اننا مجتمع مغلق لا نقوى على مواجهة المشكلات بعقلانية، بل نسارع الى اعمال العصبية القبلية في دواخلنا. ولهذا قلما يتم الكشف عن حالات قد تعاني منها أقرب المقربات من حولنا دون ان ندري بذلك، فتجدها تتألم لوحدها باسم السترة وتجنب المشاكل التي لا أحد يعرف نهايتها او نتيجتها.
خلاصة القول، ليست “السترة” هو ما تحتاجه العاملة او الموظفة التي تتعرض للمضايقات في مكان عملها، وانما مساعدتها وتخليصها من هذه المشكلة الخانقة هو ما تنشده.