80 عاماً على إعدام الشيخ فرحان السعدي خليفة الشيخ عز الدين القسام
صبيحة يوم السبت الثالث عشر من رمضان لعام 1356هـ، نُفذ حُكم الإعدام شنقاً بالشيخ المجاهد فرحان السعدي، بإصرار من المندوب السامي البريطاني الذي رفض الوساطة والتدخل للعفو عن الشيخ، أو حتى تأجيل التنفيذ لما بعد رمضان.
حَدثٌ هزّ الأمة من محيطها للخليج وخرجت الجماهير في المدن العربية غاضبة ومُنددة بإعدام الشيخ في شهر رمضان وقد قارب عمره الثمانين عاماً. وقد وصف المؤرخ أكرم زعيتر ذلك بقوله: ( إنني لا أعلم أن استشهاد بَطلٍ هزّ الأمة وأثار مشاعرها بعد استشهاد الشيخ القسام كما هَزّها وأثار مشاعرها استشهاد فرحان السعدي. وسيذكر أبناؤنا وأحفادنا أن بريطانيا لم تر من الإنسانية أن تُرجئ إعدام شيخٍ جَليلٍ صائم لما بعد رمضان..).
قُدِّمَ الشيخ فرحان السعدي للمُحاكمة يوم الأربعاء 24/11/1937 بتهمة العثور على سلاح في بيته، وخلال أقل من ساعتين كان القاضي العسكري البريطاني قد أصدر قراره بإعدام الشيخ فرحان السعدي رغم عدم اكتمال الأدلة التي طعن بها محاموه، ذلك أنه لم يُعتقل والسلاح في يده.
تقدم الشيخ فرحان السعدي للمحاكمة بهيبة ووقار ورباطة جأش، ولعيناه شعاع من نورٍ وتنبعث من لحيته البيضاء أنوار الطهر والإباء، ولما حكمت عليه المحكمة بالإعدام تلقى الأمر بجلدٍ وصبر وإيمان بقضاء الله.
قرارٌ سُرعان ما أتت المُصادقة عليه من القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن، ليحدد يوم السبت 13 رمضان 1356 الموافق 27/11/1937 موعداً لتنفيذ حُكم الإعدام.
مُحاكمة صُورية حُدد الحكم فيها قبل انعقادها، وذلك بإقرار الاحتلال البريطاني بتاريخ 11/11/1937 لقانون المحاكم العسكرية التي يتولى الحكم فيها ضابط ميدان وضابطين آخرين ولهما صلاحيات الحكم بالإعدام شنقاً على قضايا إطلاق النار وحمل السلاح والقنابل، وأن أحكام هذه المحكمة بعد مصادقة القائد العام لا تقبل الاستئناف، وقد أقيمت لأجل ذلك مَحكمتان أحدهما في القدس والأخرى في حيفا. وكان هدفها كما أعلنت بريطانيا القضاء على المقاومة واستئصال المجاهدين وذلك بعد اغتيال الحاكم العسكري البريطاني أندروز من قبل الثورة.
وفي صبيحة يوم السبت 13 رمضان 1356 الموافق 27/11/1937 أُخرِجَ الشيخ فرحان السعدي من سجن عكا ليُنقَل إلى حيفا حَيثُ سينفذ الحُكم، ولما أُدخل لساحة الإعدام وقد أحاط بها الجند والبوليس بأعداد كبيرة، طلب الشيخ فرحان أن يتوضأ ويصلى قبل أن يُعدم وكان له ذلك، ولما اقتادوه إلى المشنقة تقدم برباطة جأش وشموخ، ثم قال: (مرحباً بلقاء الله، اللهم اجعل من موتي فرحاً لأمتي)، وقد أعدم بحضور نحو 60 شخص من أهله.
ثم حُمل جثمان الشهيد فرحان السعدي من مدينة حيفا إلى قرية المزار قضاء جنين، وشيعته الجماهير إلى مثواه الأخير بجانب قبر النبي يوشع في القرية مُنفذين وصيته بذلك. في يوم وُصِفَ بأنه يوم الغضب أو فاتحة أسبوع الغضب العربي لأجل دماء الشيخ السعدي، إذ خرجت الجماهير العربية في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق وسائر الأقطار في مسيرات غضب واحتجاج على إعدام الشيخ فرحان السعدي، وحفلت الصحف اليومية بأخبار الفعاليات المُنددة بالإنجليز والتي تُعلي من هامة الشيخ الشهيد. وكانت تلك الحوادث ميلاداً لفجر جديد ومواصلة لعهد الكفاح الذي انطلق بجسارة بعد إعدام الشيخ فرحان السعدي.
من هو الشيخ فرحان السعدي الذي أصر المندوب السامي على إعدامه رافضاً الوساطات العربية والتدخلات للعفو عنه أو تأجيل الإعدام ؟
الشيخ فرحان السعدي (1858-1937) هو بلا مُنازع صاحب الطلقة الأولى في ثورة فلسطين الكبرى، وذلك بعد العملية الشهيرة على طريق عنبتا- طولكرم في 15/4/1936 والتي كانت إعلاناً لبدء الثورة الكبرى في فلسطين.
وكان الشيخ فرحان السعدي قد أعتقل لدى البريطانيين لمدة 3 سنوات بعد مشاركته في هبة البراق 1929، ليلتحق بعد ذلك في تنظيم الشيخ عز الدين القسام ويكون واحداً من الطليعة الثورية التي بدأت تُعد العُدة لأجل الكفاح المسلح في فلسطين.
وبعد استشهاد الشيخ عز الدين القسام في أحراش يعبد في العام 1935 ، لاحقت القوات البريطانية الشيخ فرحان السعدي لاعتقاله بتهمة “الانتماء لعصابة القسام”، غير أنه ذهب بعيداً بتفجير شرارة الثورة وقيادته لفصيلٍ مُسلح كان له دورٌ مهم في العمليات العسكرية في منطقة جنين – جبل نابلس من بداية الثورة حتى لحظة اعتقاله.
وقد شكل الشيخ فرحان السعدي بمكانته ورمزيته الثورية شمساً تنير الدرب للعمل الجهادي طوال الثورة، فكان رائد الكفاح في المرحلة الأولى بعملية عنبتا- طولكرم وبإعدامه تجددت الثورة وامتد لهيبها، فكان رحمه الله مفجر الثورة في حياته وفي استشهاده.