بعد ان انتشرت اللافتات ذات المضامين الغريبة في شوارع الطيبة التي تخاطب الطيباوي بمفردات ترهيب، وتتعامل معه على انه كافر، صار من الضروري ان نفتح هذا الملف ونناقشه بصراحة…
لطالما تساءلت عن آلية اتخاذ القرار لنصب مجسمات او وضع لافتات على جوانب شوارع المدينة ومن يحق له ذلك، وكيف يتم اختيار أي اللافتات تصلح لتكون على جوانب الشوارع وما حجمها وما محتواها وهل يدفع أصحابها ثمن استخدام الحيز العام في المدينة كضريبة للمجلس البلدي أم هي أماكن عامة سائبة لا سلطة لأحد عليها سوى لمن يسبق غيره؟
لقد باتت شوارع المدينة في غاية الغرابة لما تحتويه من لافتات تفتقر الى أدنى معايير الذوق اللائق لمدينة تعيش القرن الحادي والعشرين. فمجرد ان تنظر الى لافتة عملاقة تعرض لك قبرا مكشوفا وقد كتب عليها “هنا…لا تترك صلاتك”، فإنك تدرك فورا لغة خطابة تستخف بعقول المواطنين كما لو أنها تخاطب اطفالا تسعى الى بث الرعب في نفوسهم بصورة حفرة قبر لكي يؤدوا صلاتهم. هذا اسلوب مثير للاشمئزاز قائم على الترهيب أي أنه ارهاب ديني لا يمت للإسلام بصلة لا من بعيد او قريب، ومن يقول ان ذلك يأتي عملا بآية “فذكر إن نفعت الذكرى” فعليه مراجعة فهمه للآية الكريمة.
ذات الامر ينسحب على لافتة أخرى نلاحظ وجودها على جوانب عدد من الطرقات المحورية في الطيبة وهي عبارة عن صورة يد آدمية يفترض ان تكون لميت، وقد كتبت اعلاها عبارة “مات فلان!! هل كان يصلي؟”. هذه اللافتة لا تقل إساءة للأخلاق الدينية عن سابقتها لأن التخويف والترهيب ليس من ميزات دين التسامح، فما بالك حين يتحول ذلك إلى شعار وأسلوب نجاهر به في الشوارع بلا رقيب أو حسيب.
إن من يملأ شوارع الطيبة بمثل هذه اللافتات والشعارات غير الدينية، إنما يظن أنه يسجل لنفسه خدمة للدين و”حسنات” علّه يلقاها في يوم الحساب، ولكنه لا يعي ان في هذا خطأ فادحا وأسلوبا مرفوضا إذ أن هذه اللافتات تنفر الناس عن الصلاة، لأن الوقوف بين يدي الله لأداء الصلاة يحتاج الى إرادة حرة ومحبة عميقة حتى يكون خاشعا صادقا وإلاّ فهو من المنافقين. وفي نهاية الأمر فإن المسلم الحق لا يقيم علاقته الصادقة مع خالقه بدافع الخوف، وإنما بدافع محبة الخالق، والمحبة لا تتحقق من خلال الترهيب بقبر مفتوح ولا بيد ميت مرتخية.
وإذا كان بوسع كل من يشاء ان ينصب ما يشاء أينما يشاء في الأماكن العامة في الطيبة، فهل سيصمت المسؤولون في البلدية إذا قام غدا متحمس وعلق صورة عملاقة للثائر الاسطوري جيفارا على الواجهة الجنوبية للجسر عند مدخل الطيبة؟ أو احضر طيباوي صورة عملاقة لوالده المرحوم وعلقها على الواجهة الشمالية للجسر تعبيرا عن حبه له؟ هل من سيمنعهما من فعل ذلك؟ أم ان البلدية ستتيقظ عندها لهذه الفوضى!
قد يقول قائل إن الطيبة بلد مسلم وعليه فإن الرموز الإسلامية يجب ان تكون بارزة في شوارعها! هذا رأي مرفوض لأن الرموز الدينية في الشوارع عبارة عن قشور شكلية لا تخدم الدين بينما لهذه الرموز مكانها الموقر في دور العبادة والنوادي الاسلامية او صالونات البيوت او أي مكان مغلق وليس في الشوارع حيث تكون عرضة للإهانة والتدنيس كأن تقف فوقها العصافير وتقضي حاجتها. لا أظن أحدا قد يعجب بمشهد كهذا.
وإذا كان المبادرون الى تعليق هذه اللافتات يقدمون على ذلك لاعتقادهم بأنه طالما يتعلق الأمر بالترويج لرموز إسلامية، فلن يجرؤ حتى رئيس البلدية على الاعتراض، فهم يغفلون جانبا ليس أقل أهمية وينطبق عليه ذات المنطق. لماذا لا يحق لمن يكنون التقدير العميق لأفكار غير دينية، ان يثبتوا لافتات بفحوى يختارونه مناسبا لفكرهم؟ لماذا لا يعلقون هم كذلك لافتاتهم اينما شاءوا في شوارع المدينة، والطيبة بأماكنها العامة ملك للجميع وليست ملكا لفئة دون سواها؟ فهل سنقبل، تبعا لذات المنطق، تعليق صور لينين وكارل ماركس في شوارع المدينة بأحجام مماثلة وفي أماكن محورية؟
وفي النهاية أتساءل اين دور ادارة البلدية من كل هذه الفوضى؟ هل الصمت على استباحة الممتلكات العامة تعبير عن رضا المسؤولين عن التصرف بها على هذا النحو أم أن الأمر لا يشغل بال أدارة البلدية، فنجد كل من شاء يسرح ويمرح كما يحلوا له؟