قبل 70 عاما عصابات الهاجاناه الصهيونية تقصف الأحياء العربية في مدينة حيفا بقذائف المورتر (الهاون) بعد سلسلة مجازر نفذتها بتلك الحقبة
ارتكبت عصابة الهاغاناة الصهيونية في هذا اليوم من العام 1948 مجزرة مروعة بحق العرب الفلسطينيين في مدينة حيفا الساحلية في الشمال، بعد أن أطلقت على أحيائهم قذائف المورتر أو كما تعرف اليوم بقذائف الهاون.
وكانت الهاغاناة قد ارتكبت قبل ذلك بأسابيع مجزرة تعرف بمجزرة شارع عباس بعد أن دحرجت برميلا مليئا بالمتفجرات من أحد المنحدرات أدى لانفجار كبير في حي الهادار ما اسفر عن استشهاد 20 مدنيا من الفلسطينيين العرب الحيفاويين بعد هدم بيوتهم.
وتوالت المناوشات بين الطرفين إلى أن وصلت ذروتها باستشهاد قائد الفيلق الأردني محمد بن حمد الحنيطي في كمين نصبته العصابات الصهيونية لقافلة كان يقودها وهي محملة بـ15 طنا من المتفجرات والأسلحة.
وكان لسقوط مدينة حيفا في نيسان / إبريل من ذات العام المشؤوم في يد القوات الإسرائيلية تأثير كبير على معنويات العرب، ودفع هذا الأمر أن هاجم الإسرائيليون باستمرار القرى الفلسطينية وتهجير أهلها منها وتوطين اليهود مكانهم حسب قرار التقسيم آنذاك.
عرفت كل من يافا وحيفا كيف تعيش فترتين متناقضتين ومختلفتين وأن تنتقل الواحدة مع الأخرى من مرحلة الاتراك إلى مرحلة الانجليز، سائرتين في طريق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن غياب المدينة الفلسطينية المتمثل بيافا وحيفا ليس بالأمر الهين أو البسيط، إنه غياب ثقافة وحضارة مركزية شكلت ركنًا اساسيًا من وجود الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو المستقبل، هذه التطلعات التي عرف المشروع الصهيوني كيف يقضي عليها.
عام1948، ليس النهاية، عام النكبة ليس نهاية المشروع الصهيوني، كما أنه ليس بدايته. إنه مرحلة في مسلسل طويل لتصفية الشعب الفلسطيني وتحويله إلى مشرد في أوطان أخرى غير وطنه الأصلي وذلك من أجل بناء مشروع صهيوني استعماري شريك في مشروع استعماري أوسع قادته بريطانيا وتقوده الآن الولايات المتحدة. والحلقات المستمرة للمشروع متمثلة في تنفيذ فقرات من التطهير العرقي الفعلي بواسطة مصادرات الأراضي الفلسطينية، وبناء الجدار الفاصل، وتهميش اللغة العربية وتحويلها إلى لغة مُعيبة لدى أهلها وأصحابها، وهي لغة مقدسة يتوجب علينا الحفاظ عليها. وتدهور جهاز التربية والتعليم في حيفا ويافا وبقية المدن التي تسمى مختلطة، وكذلك في عدد كبير من القرى العربية، وطمس المعالم العربية في المدن، وتغيير أسماء الشوارع والمناطق من العربية إلى العبرية، وقانون منع الفلسطينيين من إحياء ذكرى نكبتهم، وقرارات تعسفية لطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من ديارهم، وأوامر هدم عشرات آلاف المنازل بذريعة عدم الترخيص، والملاحقات والمحاكمات السياسية، ونفي قسري لقيادات سياسية، وسياسات تمييزية مفضوحة وغيرها من القوانين الجائرة والقمعية التي تعتبر بالعُرف الإنساني والدولي جزءًا من منهجية التطهير العرقي.
وبالرغم من… وبالرغم من نجاح المشروع الصهيوني في حيفا ويافا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية إلا أن البقية الباقية من الشعب الفلسطيني تحاول الحفاظ على موروثها التاريخي والتراثي والحضاري من خلال هيئات وطنية تسعى إلى بناء مجتمع متماسك ومتعاضد ومحافظ على ذاته، ومن خلال تعميق المعرفة بتاريخ شعبنا وقضيته والتعرف على حضارته ومساهماته التاريخية في بناء الإنسانية، لأنه بدون هذه سيضيع كل شيء يخصنا كشعب.