نحن بحاجة الى وقفة جدية ومراجعة عميقة لنعرف كيف تخلت القيادة الفلسطينية عن صولجان النضال وتركته تحت تصرف كل متهور!
إذا تركنا القضية الفلسطينية بأيدي مدمني المخدرات، فعلى الدنيا السلام! وإذا صار النضال الفلسطيني ضد الاحتلال يدار بهذه الطريقة، فعلى القضية السلام! من هنا فإن منفذ عملية الطعن، يوم الاثنين، عند مدخل مستوطنة اريئيل، لا يمثلني ولم يتصرف باسمي. وهو في نظري لا يتعدى كون مجرما عربيا قتل مستوطنا يهوديا.
ما ذنبي انا وغيري، كمواطنين عرب في هذه البلاد، إذا كانت وصفة “عملية عدائية على خلفية قومية” (פיגוע) هي الاستنتاج المرغوب والمفضل لدى الضحية والمجرم في كل حالة يقتل فيها عربي يهوديا في الحيز بين النهر والبحر؟ هذه إساءة وهذا ظلم للقضية الفلسطينية واستخفاف بها وهو في ذات الوقت خدعة لا تنطلي علينا، نحن المواطنين العرب في هذه البلاد.
فعندما يقتل عربي عشيقته اليهودية، تتحول الجريمة الى “عملية عدائية على خلفية قومية” او يقتل سائق سيارة اجرة زبونته اليهودية تتحول الجريمة الى “عملية عدائية على خلفية قومية”، وحتى حين يقتل مسطول غارق في تعاطي المخدرات، مستوطنا يهوديا، تُصنف جريمته، منذ اللحظة الأولى، على انها “عملية عدائية على خلفية قومية”.
نعم، انها معادلة مريحة ومفضلة لدى كل الأطراف ذات الشأن بها. فمرتكب الجريمة يتحول بذلك الى “بطل قومي” في نظر بعض الفصائل الفلسطينية التي تسارع الى تبنى جريمته على انها “عملية وطنية” معلنة وقوفها خلفها. وبما ان العملية قد وقعت، فلماذا لا يضمن مرتكبها، لأهله من بعده راتبا شهريا من السلطة الفلسطينية ولماذا لا يتحول هو من مجرد جاني الى اسير وطني ضمن لوائح الاسرى؟
وعلى الجانب الآخر من الخندق، فمن المعروف إن ضحية عمل جنائي لن تحصل على أي تعويضات رسمية من الدولة، فلماذا لا يسعى ذوو الضحية الى تصنيف الجريمة على انها “عملية عدائية على خلفية قومية”؟ لقد وقعت المصيبة سواء بمقتل ابنتهم من قبل سائق أجرة عربي او من قبل العشيق العربي او من قبل حتى مدمن مخدرات اكتسب تربيته في الشوارع التي كانت ملاذه الوحيد بعد تفكك اسرته…فإن القاسم المشترك بين كل هذه الجرائم هو كون مرتكبها عربيا، فلماذا لا يسعى ذوو الضحايا الى تصنيفها على انها “عملية عدائية على خلفية قومية”؟ عندها سيحصلون على تعويضات سخية وفقا للقانون من وزارة الامن الإسرائيلية، وعندها ستدندن الصحافة وسيطبل العنصريون وسيعزف السياسيون على وتر “الإرهاب الفلسطيني”، فينقلب المشهد من مصيبة بكل المعايير الى مكسب تستفيد من وقوعه كل الاطراف.
خلاصة القول اننا نحن العرب في هذه البلاد بتنا مستهدفين في سمعتنا وفي فكرنا وفي نوايانا من قبل اليمين المسيطر على مجريات الحياة السياسية والتوجه العام في إسرائيل، يساعده على ذلك متهورون فلسطينيون جعلوا من نضال الشعب الفلسطيني ورقة يقامرون بها على اهوائهم.
من هنا فكل زلة لسان عربية يتم استغلالها الى ابعد الحدود خدمة للنظريات التي يطورها العنصريون في اسرائيل، فما العجب أن يتحول احتجاج النواب العرب في الكنيست امام نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، الى “عمل على خلفية قومية”.
لن ابالغ إذا دعوت جميعنا الى توخي الحذر كي لا يتورط أحدنا حتى في حادث سير عادي مع مواطن يهودي، لأن ذلك سيعتبر “عملا عدائيا على خلفية قومية”، وبدلا من مخالفة سير سيحصل السائق العربي على لائحة اتهام طويلة عريضة تنتظره في مكتب التحقيقات الخاصة بالقضايا الأمنية.
هذا هو أحد مشاهد “الواقع المستحيل” الذي يعيشه العرب واليهود في هذه البقعة من الأرض… هذه هي النتيجة الحتمية والمباشرة للاحتلال.