أحمد أبو حسين ولد قبل 24 عاما في أسرة فقيرة داخل مخيم جباليا كانت قد هجرت من قرية نعليا عام 1948 فور احتلالها ولاحقا قامت بعض احياء أشكلون على أنقاضها وما زالت فبها قبور لشهداء استسهدوا وهم يقاتلون غزاة قدامى قدموا هم ايضا باسم رب بريئ من أفعالهم.. من عصر ظلمات اوروبا عرفوا بالصليبيين زورا وبهتانا ..
أنهى دراسته الجامعية في كلية الصحافة والإعلام في جامعة الأزهر في غزة وباشر على الفور في خوض غمار العمل الصحفي الميداني. ويفيد زملاء له اليوم أنه واصل الليل بالنهار بغية تحقيق ثلاثة أحلام أولها إعالة أسرته الفقيرة بعدما فقد والده قبل 12 عاما وثانيها الزواج وتكوين أسرة وثالثها الفوز بفرصة للسفر خارج غزة ولو مرة واحدة. لكن رصاص ” فاتحي المخيمات وسفاحي الطفولة ” كان أسرع فأصيب في 13 من الشهر الجاري برصاص خطير في بطنه وحاول المستشفى الأندونيسي إسعافه ولاحقا نقل لمستشفى رام الله ومن هناك نقل لتل شومير بعد تدهور صحته وقبل ساعة غيبه الموت تاركا والدة وشقيق وشقيقة. ويوضح زميله رامي الشرافي الذي كان برفقته يوم أصيب خلال تغطيته مسيرة العودة أن احمد أبو حسين كان على مسافة بعيدة من الجدار يوم صوب قناص رصاصة متفجرة نحو بطنه أصابت كبده وكليته والبنكارياس بالتهتك.
عمل الراحل مراسلا ومصورا لإذاعة صوت الشعب المقربة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفي شبكة بيسان الإخبارية. ويؤكد الشرافي أن الصحفي الشهيد أبو حسين امتاز بشجاعته في العمل وتوثيق الأحداث حتى عندما ترتفع ألسن اللهب ويزداد منسوب حقد جنود الاحتلال لحد التوحش. وفعلا تعكس بعض كتاباته في صفحته بالفيسبوك روحه الجسورة المقيمة داخل طائر عاشق للحرية ويأبى القيود. في 23 مارس /آذار شكا أحمد مشاعر الحصار والكبت وتقييد حرية التعبير فقال إنه يفتح ” حساب احتياطي ” في الفيسبوك في حال تم ” تسكير حسابي لأن الفيس نازل طالع تسكير بصفحاتنا وحساباتنا عن جنبه وطرف “.
كتب أحمد ذلك ولم يكن يعرف أن رصاص أفيغدور ليبرمان ستطلق حتى على الصحفيين ” عن جنبه وطرف ” ودون تمييز ودون منحه فرصة لحياة احتياطية. نالت منه رصاصات مسمومة بالكراهية والغطرسة أطلقها جبناء يخشون كاميرا حملها أحمد وفيها وثق فتوحات الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. أصيب أحمد في كبده وهو بالرابع والعشرين ربيعا من شبابه مرتديا سترة الصحفيين وقد كتب عليها صحافة بالعربية والإنجليزية . ارتقى أحمد اليوم شهيدا في سبيل الوطن والمهنة الشريفة والحياة الحرة الكريمة. خرج أحمد من غزة كما كان يحلم ولكن هذه المرة لن يكحل عينيه بها عند عودته. غادر غزة محمول على سرير الإصابة نازفا وها هو يستعد للرجوع على سرير خشبي محمول ولو سئل قبل أن يغمض عينيه لابد أنه سيناشد العالم بأن يتحقق حلمه المعكوس.. بأن يعود إلى غزة إلى حضنه الأول والأخير.
أغمض أحمد عينيه قبل ساعة للمرة الأخيرة بعدما سرق الاحتلال نورها وسلب نبضات قلبه الكبير بسطو مسلح عسير بدأ قبل 70 عاما وأكثر ولكنه سينتهي مهما طال الظلم وكبر التكبر وهذه حتمية التاريخ من نيرون إلى فرعون..ولن تقفز عن الفراعنة الجدد.
هي رصاصات مسمومة أوقفت قلب أحمد وستبقى تكوي قلب أم تثكل فلذة كبدها بعد 12 عاما من ثكل زوجها ورفيق دربها. رحل أحمد ودقات قلب أمه الكبير قد زادت أضعافا بالأيام الأخيرة رغم هزالة جسدها وهي في جوار سريره توصل الصلاة بالصلاة من أجل أن يبقى ويعود معها إلى جباليا.
في منشور آخر وليد نظرة المتأمل في طبيعة الحياة يقول الصحفي الفلسطيني المقدام ” في قاموس الغياب لا فرق بين انتظر واحتضر “. كما أن منشوراته تعكس وطنيته الملتهبة وتدلل على حسه الإنساني المرهف فيقول بلكنة مصرية تميز لهجة أهالي غزة معبرا عن وجعه لاستشهد المدنيين من نساء وأطفال في عدوان ” الجرف الصامد ” على غزة في 2014 : ” 2014 … عام أحس فيه أن أبويا توفي تاني “. قالها ولم يكن يعرف ان والده هو الذي سيموت ثانية في 2018.
قصة أحمد العربي الفلسطيني من غزة بنكهته المرة واحدة من مأسي واقع عربي رديىء متكرر للأسف سبق والهمت الشاعر الجميل أمل دنقل وبمثلها صاح ” لا تصالح ” فابن جباليا المهجر من نعليا الذي مارس عمله في تلك الجمعة السوداء لم يكن غازيا ولم يتسلل قرب مضارب الغزاة في التخوم ولم يد يده لثمار الكروم ولم يصح به قاتله ” انتبه ” .. غدره برصاصة في احشائه وهو اعزال الا من عدسته.
التحق أحمد بزميله ياسر المرتجى وهو الآخر قد قضى نحبه وهو يمارس عمله الشريف دون أن يعتدي على أحد بل مات ضحية للحصار والعدوان وحكومة الزعران…على راسها نتنيتها وليبرمان.