في يوم العمال العالمي تحية إجلال وإقدار لعمال فلسطين- بقلم: د. جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
يصادف اليوم الثلاثاء ، الأول من أيار مايو يوم العمال العالمي، أو عيد العمال، وهو احتفال سنوي يقام في العديد من دول العالم احتفاءً وتكريماً للعمال؛ وهو يوم اجازة رسمية لمئات الملايين من العمال في العديد من دول العالم، وأصل الاحتفال بهذا اليوم، هو ما حدث في مدينة شيكاغو من نزاعات بين العمال وأرباب العمل لتخفيض ساعات العمل اليومي إلى ثماني ساعات؛ عام 1869م.
وفي عام 1882، شهد زعيم العمال الأمريكي بيتر ماركو إحدى الاحتفالات بعيد العمال في تورونتو؛ كما ويعود عيد العمال في أصله لعام 1869، إذ شكل عمال قطاع الملابس في فيلادلفيا الأمريكية، ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث وعمال المناجم، منظمة “فرسان العمل”، كتنظيم نقابي يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل، واتخذ التنظيم من 1 مايو يوما لتجديد المطالبة بحقوق العمال؛ و جاء أول مايو من عام 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية في يوم واحد في تاريخ أمريكا، إذ وصل عدد الإضرابات في هذا اليوم إلى نحو 5000 إضراب للمطالبة بألا تزيد ساعات العمل على 8 ساعات.
تظاهر العمال في أول مايو لتخفيض ساعات العمل وكان شعارهم “8 ساعات للعمل – 8 ساعات راحة – 8 ساعات للنوم”؛؛ في أوروبا تمت الدعوة لمظاهرات متزامنة مع المظاهرات الأمريكية في عدد من المدن الأوروبية، من أجل المطالبة بقانون يحدد ساعات العمل بـ8 ساعات، في بلد تلو الآخر، أخذت الحكومات تحول احتفال الأول من مايو من يوم احتجاج وصراع طبقي إلى يوم استيعاب وتعاون، وتوافق وتحقيق مطالب العمال.
عمال فلسطين المقهورين
وأصبح يحتفل ملايين العمال في العالم بعيد العمال، في الأول من مايو من كل عام، كما يحتفل عمال فلسطين المقهورين من ظلم الاحتلال؛ وقد أصبح هذا اليوم رمزاً لنضال الطبقة العاملة بفلسطين من أجل تحقيق حقوقها؛ والتي دمرها الاحتلال، فأجهز علي حق العمال الفلسطينيين في كثير من الأمور، ومنها حقهم في السكن وفي التنقل، إلا من خلال حلابات وحواجز غير إنسانية وبظروف مأساوية وقاهرة كثيراً؛ بل إن أغلبية العمال الفلسطينيين الذين يتوجهون بشكل يومي الى عملهم يستيقظون من الساعة الثانية قبل بزوغ الفجر وفي وسط الليل فجرًا ليتمكنوا من الوصول لأماكن عملهم في فلسطين المحتلة عام 1948م، ويمرون علي الحواجز للاحتلال ويتعرضون للمضايقات وللإذلال، وللقتل أحياناً!، سعياً منهم لتوفير لقمة العيش المغمسة بالدم لأطفالهم وأُسرِهم؛ تمضي علي العمال الفلسطينيين ساعات طويلة وهو ينتقل من بيته الى تجمعات للسيارات هنا وهناك من أجل أن يتمكن من الوصول في الوقت المحدد له؛ ومنهم من يصطدم بحواجز احتلالية اسرائيلية طيّارة أو لشرطة الاحتلال الاسرائيلية، والتي تقوم بإعاقتهم، واعتقال البعض أحياناً، وتفتيشهم بشكل مذل!، عدا عن الاكتظاظان التي تكون على بوابات ومداخل المعابر التي قد تؤرق العامل ساعات الانتظار من أجل أن يتمكن من الوصول الى الحاجز بعينه؛؛ وفي كثير من الاحيان يلجأ بعض العمال إلى أن يسلكون تلال وجبال للوصول الى أماكن عملهم ويتحملون كل هذه المخاطر من أجل قوت عيالهم؛ وكثير من العمال لقوا مصرعهم؛ مع اصابة العشرات منهم نتيجة للتزاحم غير المعقول والذي سببه يعود لبطء الاجراءات الاحتلالية الاسرائيلية على مداخل المعابر كما أن ضيف الممرات والمسالك التي يسلكها العمال وطولها غير المعقول تساهم في رفع وتيرة التزاحم بين صفوف العمال المتطلعين للوصول الى أخر النفق المظلم وهو المسلك من أجل الدخول للعمل حيث ان هنالك بعض الحواجز فيها مسلك واحر لآلاف العمال يمرون عليه من 5000 الى 10000 عامل في ساعتين أو ثلاثة، كما هو الحال في معبر الطيبة وترقوميا وبيت لحم . ناهيك عن سياسة التفتيش التي ينتهجها جنود الاحتلال الاسرائيلي على الحواجز الاحتلالية كما يقوم جنود الاحتلال أحيانا باستفزاز العمال وإعادتهم الى بيوتهم عنوة وبدون مبرر؛ وفي كثير من الاحيان يلجأ جيش الاحتلال الاسرائيلي على المعابر إلى اللجوء للكلاب البوليسية لتفتيش السيارات الخاصة بنقل العمال أو بتفتيش العمال بشكل شخصي كل على حدة وتقوم هذه الكلاب احيانا اشتمام الطعام الذي يكده العامل لعيشه؛ في تصرف وعمل غير إنساني وغير أخلاقي.
شروط السلامة والصحة المهنية للعامل الفلسطيني
وبالتالي يتسبب ذلك في رفع منسوب الخسارة الاقتصادية، والتعب النفسي. للعامل الفلسطيني؛ كما يتعرض العمال لمحاولات ابتزاز ليعملوا في مجال العمالة والتجسس لصالح أجهزة الاحتلال الاسرائيلي؛ كما يتعرض العمال بسبب الازدحام الشديد علي بوابات المرور للعمل علي اختناقات تؤدي للمكاره الصحية للعمال وتُسبب الأمراض لهم!؛ كما يتعرض الكثير من العمال الفلسطينيين للابتزاز والتمييز والمعاملة السيئة في عملهم، من قبل صاحب العمل من المحتلين الصهاينة ويسكت العامل من أجل الحفاظ على لقمة عيشه، كما يكون عمل العامل الفلسطيني وانجازه أضعاف عمل العامل الاحتلالي ورغم ذلك يكون أجرُه المادي للعامل الفلسطيني أقل بكثير جدًا من أُجرة العامل الاحتلالي أو العامل الوافد من خارج فلسطين؛ وكذلك لا يوجد توفير لو للحد الادنى من شروط السلامة والصحة المهنية للعامل الفلسطيني، فيكون أكثر عرضة للحوادث والاصابات والوفاة في العمل داخل الخط الأخضر.
كما يقوم الاحتلال باقتطاع رسوم التأمينات الاجتماعية من قسيمة راتب أي عامل فلسطيني مرخص بالمعاير الاحتلالية الاسرائيلية القهرية!؛ بحيث يتم خصم مالي على العمال الحاصلين على تصاريح والذين بلغ عددهم مؤخراً حوالي 55 ألف عامل فلسطيني؛ مما يعني أن مجموع المدفوعات من العمال للاحتلال تبلغ حوالي : 1.375.000 شيكل شهريًا!؛ ولو دفعت هذه المبالع لصالح الخزينة الفلسطينية لكان الوضع الاقتصادي الفلسطيني مختلف تمامًا لصالح العمال في حال تم استخدامها لمشاريع تنموية وبنيوية للعمال؛ كما يتعرض العمال الى الاستغلال في تسجيل المياومات والاجور حيث يقوم مشغليهم بتسجيل قيمة الحد الأدنى للراتب للعامل الفلسطيني.
من أجل الابتزاز والتنغيص
وأما بعد الانتهاء من العمل للعمال الفلسطينيين والعودة الى أماكن سكناهم يقوم الجيش الاحتلالي الإسرائيلي المتواجد على الحواجز الاسرائيلية التفتيشية في كثير من الاحيان بمحاولة القاء القبض واعتقال عدد من العمال من أجل الابتزاز والتنغيص على حياتهم اليومية وتعقيد الامور وتأخيرهم عن عودتهم . ويسحبون التصاريح من بعض العمال بحج أمنية أو حسب مزاج جندي الاحتلال المجرم؛ ناهيكم عن رحلة العذاب والسير علي الأقدام؛ حيث يقطع العمال مسافة طويلة جداً للرجوع لمساكنهم؛ وما ذكرناه هنا غيض من فيض قليل من كثير عن ممارسات الاحتلال العنصرية الاجرامية بحق العمال الفلسطينيين.
ضرورة الانعتاق من الاحتلال
كل ما سبق يؤكد أهمية وضرورة الانعتاق من الاحتلال، مع مراعاة حاجات العمال، وخاصة عمال قطاع غزة والذين منعوا من العمل بالداخل المحتل بسبب الحصار، كما يجب علي النقابات الفلسطينية والسلطة الوطنية محاولة العمل علي حل مشاكل العمال وتوفير حياة كريمة لهم ولأُسرهم، والعمل على متابعة قضاياهم بشكل مباشر، ويجب الانعتاق من اتفاقية باريس الاقتصادية، والعمل الجاد علي فتح مشاريع ليتمكن العمال من العمل بأراضي السلطة الوطنية، وعدم الحاجة للعمل عند الاحتلال الذي يستغل العمال أبشع استغلال؛ وفي يوم العمال العالمي نوجه تحية إجلال وإكبار وإقدار واحترام لعمال فلسطين الأبطال والذين يحفرون في الصخر، من أجل توفير لقمة العيش الكريمة لهم ولقوت أطفالهم، وهنا لابد أن نُبشر العمال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: “ما أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”، فكل التحية لعمال العالم في يومهم.