رغم الحزن الذي يعتصر افئدتنا، ورغم المأساة التي يتعرض لها شعبنا، علينا ان نكون أقوياء ونهزم الليل بشمس الصباح.
من اروع الفعاليات التي انفرد بها بلدنا الحبيب في السنوات الأخيرة هي “الطيبة ماركت” الذي أصبح مكسبا تقليديا نحياه كل عام في ليالي رمضان حتى اعتاده اهالي الطيبة وزواره من المنطقة مثلما يعتادون الكثير من الامور المرتبطة بشهر رمضان المبارك كل سنة.
وبالرغم من الاحداث المأساوية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني ولا سيما في قطاع غزة، وهي التي كانت سببا لإلغاء مسيرة “اهلا رمضان” مساء الأربعاء، إلا ان لهذا الشهر الكريم نكهته واجواءه التي ستأخذنا ونأخذها، شئنا أم ابينا، الى رحاب النقاء والتقوى، الى سهوة موجزة عن المأساة مهما بلغت حلكة الليل ومهما كابرنا غصة عنيدة في الحلق تخنقنا.
ما ان تصل الى مشارف “الطيبة ماركت” حتى يعتريك الشعور بالأمان حين تلحظ عناصر الشرطة والمتطوعين يستقبلونك بجوار ما يشبه مداخل يتوافد عبرها الزوار. وفي الداخل حشد كبير غالبيته العظمى من الجيل الشاب، يتجولون في كل ارجاء “العِمرة” من بناية “العليّا” حتى ساحة “وسط البلد” وفي الخلفية تشدو فرقة غنائية اناشيد دينية صوفية عذبة من امثال “لأجل النبي لأجل النبي … تقبل صلاتي على النبي”، للراحل محمد الكحلاوي وغيره تماشيا مع الاجواء الرمضانية الرائعة التي تخيم على المكان.
بهجة الشبان والصبايا بادية في عيونهم ولهفتهم وهم يتنقلون من ركن الى آخر لاستطلاع كل شيء. يطلون على هذه “البسطة” حيث الاساور والخواتم والحلى عموما، يتنقلون الى البسطة المجاورة حيث التحف الفنية المصنوعة يدويا مرورا بالقطار الكهربائي للصغار والطابور الطويل من رواد هذه المتعة…الى ان يصلوا الى القفازات و”العليّا” في الجانب الآخر.
ان المبادرة الذكية والإصرار المبرر المكلل بالتجاوب الواسع للأهالي، هي اهم العوامل التي تخلق التقاليد الشعبية والسلوك الجماهيري المتوافق مع مفاهيم مجتمعنا واعرافه.
ولهذا فمن الملفت هذا العام ان فعالية جماهيرية كهذه لم تعد تصطدم، كما في الماضي، بخشية بعض المحافظين من الاهالي، وباتت حدثا آمنا مألوفا للجميع بعد ان ثبت لهم انه لا مكان فيه للريبة او الظن الآثم، وأننا مطالبون بإبداء مزيد من الثقة بأبنائنا وبناتنا وعدم الاستهانة والتشكيك بأخلاقهم.
ومع ذلك، فعندما تجولت مساء الجمعة، كغيري في انحاء “الطيبة ماركت” لم أجد فيه شيئا بمقاسي. لم أجد ما يجذب “الشباب” في مثل سني، للقدوم والتجوال بل ولقضاء بعض الوقت هنا. إذ كان جل من صادفتهم من الأهالي في “الطيبة ماركت”، إما يقطعون المكان على عجل وإما يقتادون صغارهم في جولة بين اركان “الطيبة ماركت”، أي انهم قدموا الى هنا لتمتيع صغارهم وليس لما قد يمتعهم هم أنفسهم.
لعلنا نتذكر، قبل عامين، المقهى الذي كان يتوسط ساحة “وسط البلد” وكان بمثابة نقطة التقاء للصغار والكبار من الاصدقاء، وبفضله كانت شريحة اعمار رواد “الطيبة ماركت” واسعة النطاق، خلافا لما هي عليه اليوم…لهذا فجولة من هم مثلي تبقى سريعة ومقتضبة.
رمضان كريم وكل عام واهل الطيبة وزوارها بخير!