في الخامس من رمضان لعام 1367 هجرية الموافق لعام 1948 ميلادية، ارتكبت وحدة كوماندوز إسرائيلية مجزرة رهيبة في حق الفلسطينيين، هي مجزرة اللد.
بدأ الهجوم الإسرائيلي على اللد والرملة يوم 9 يوليو 1948، وسعى الإسرائيليون إلى عزل المدينتين عن أي مساعدة تأتى من الشرق، فتقدم إلى شرقي اللد والرملة لواءان، أحدهما من الجنوب، حيث دخل قرية عنّابة في الساعة الواحدة صباح 10 يوليو، ثم قرية جمزد، وثانيهما من اتجاه تل أبيب، وقد احتل هذا اللواء ولهمينا ثم مطار اللد، وباحتلاله عزلت سرية الجيش الأردني في الرملة والعباسية واليهودية.
وهكذا اكتمل تطويق المدينتين وعزلهما، ولم يستطع المناضلون في القرى المذكورة ومطار اللد الصمود أمام الهجمات من قبل الدبابات والمدفعية.
في ذلك الحين، كان فيها عند بدء النضال زهاء خمسة وسبعين مقاتلا تابعين لفرق الجهاد المقدس يقودهم الشيخ حسن سلامة وهو المسؤول عن إدارة دفة القتال في ذلك القطاع، و250 من رجال الحرس البلدي، و350 من البدو المتطوعين، وكان هنالك زهاء 650 من أبناء المدينة ينزلون إلى الميدان كلما دعت الحاجة إلى النجدة، وفي غير نظام؛ هذا كان قبل زوال الانتداب.
ولما زال الانتداب وخرج البريطانيون وتولى الجيش العربي مهمة الدفاع عن البلاد أقام هذا في اللد أربعين جنديا نظاميا. وما عرفنا أن هؤلاء قاموا بأي تحصين للمدينة.
ويحدثك أبناؤها أنهم غادروا المدينة دون أن يشتركوا في قتال مع اليهود. ولم يشترك في المعارك التي دارت حولها سوى حماة المدينة من أبنائها. ولقد أسقط هؤلاء مرة طائرة كانت تحلق فوق مطار اللد، واستولوا مع إخوانهم المناضلين من أبناء الرملة وأبناء القرى المجاورة على المطار والمحطة وعلى مخزن البنزين وعلى معسكرات الجيش في صرفند ورأس العين وبيت نبالا، غير أنهم لم يحسنوا الإفادة منها.
أضف إلى ذلك أن هذا العدد من المناضلين والمقادير الوافرة من الأسلحة والأعتدة ما كان ليجدي في صد هجمات اليهود إلى زمن طويل، ولا سيما عندما أنزل هؤلاء إلى الميدان خمسة آلاف مقاتل، جلهم من رجال الصاعقة (البالماخ) وكانوا مزودين بأحسن الأسلحة، وأقدر الرجال والخبراء العسكريين الذين استأجروهم وأتوا بهم من روسيا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وأميركا وغيرها من البلدان.
ولقد شن اليهود على اللد هجومين: أحدهما بدأ من خلدة فقرية القباب القائمة على طريق القدس ـ يافا، واتجه شمالا نحوى قرى عنابة وجمزو ودانيال ودير أبي سلامة والضهيرية. والثاني بدأ من ملبس إلى رأس العين فمجدل الصادق فقولة فالمزيرعة فدير طريف فبيت نبالا من الشمال.
استمر الهجوم في ليلة السبت فتمكن اليهود في صباح اليوم التالي (11 تموز) من الاستيلاء على مطار اللد. وبهذا تمكنوا من الاتصال بقواتهم الأخرى التي كانت في مستعمرة بن شيمن والمستعمرات الأخرى المجاورة لها.
وما كاد النهار ينتصف (الأحد 11 تموز/ يوليو) حتى شن اليهود هجوماً مركزاً على مدينة اللد. فدخلوا المدينة وكانت الساعة قد دقت الرابعة. دخلوها من ناحية بن شيمن بالمصفحات وسيارات الجيب المحملة بالرشاشات، بينما راح مشاتهم يزحفون من ناحية جمزو مجتازين الشارع العام، مطلقين الرصاص من نوع دمدم على الأهلين من غير وعي. وقد قتلوا كل من وجدوه في الشارع، وهكذا سقطت اللد في يد الأعداء. ولقد تم ذلك في مساء يوم الأحد الموافق 11 تموز. وبقي اللديون في مدينتهم فلم يبرحوها.
وحدث في صباح اليوم التالي (الاثنين 12 تموز/ يوليو) أن تمكنت ثلاث مدرعات من مدرعات الجيش العربي المرابطة في بيت نبالا من دخول المدينة. فتشجع اللديون عند مجيئها، وراحوا يهاجمون اليهود في كل مكان ولا سيما في الناحية الشمالية حيث دخلت المدرعات الأردنية. فساد اليهود ذعر شديد، وراحوا يفرون، وقتل عدد منهم. ولكن لم يمض سوى وقت قصير حتى انسحبت المدرعات الثلاث تاركة المناضلين مشتبكين مع اليهود الذين كانوا قد تكاثروا وتغلبوا على المدينة، وتمكنوا من سكانها.
فقتلوا 426 شخصا منهم 176 قتلوا في المسجد. وبهذا بلغت خسائر اللديين، منذ بدء النضال، ألفا وثلاثمئة شخص: 800 منهم استشهدوا في ميادين القتال، وأما الآخرون فقد ماتوا إما قتلا في منازلهم أو جوعا وعطشا بعد خروجهم.
ولقد أخرجهم اليهود بعد احتلالهم المدينة، قسرا، وبلغ عدد الذين خرجوا منها يومئذ (الثلاثاء 13 تموز/يوليو) خمسين ألفا، أجبرهم اليهود على الرحيل ولم يستثنوا من أوامرهم شيخا ولا امرأة ولا طفلا. ولم يسمح اليهود لأحد من الراحلين أن يحمل معه شيئا من نقوده أو متاعه. وقد جُردت النساء من حليهن، وعيّن اليهود لهذه الألوف من الخلائق طريقا وعرة للمرور منها بين جمزو ونعلين.
الرملة
ما كادت اللد تسقط في يد اليهود حتى تداعت الرملة، ومالت إلى الانهيار. وكان ذلك في يوم الأحد الموافق 11 تموز/ يوليو. وكانت فيها سرية من سرايا الجيش العربي الأردني يقودها الرئيس أديب القاسم. فغادرها هذا مع سريته في تمام الساعة الثامنة والربع من مساء ذلك اليوم. وأما المناضلون من سكان الرملة فقد غادروها بعد نصف الليل بساعة، أي في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي (الاثنين 12 تموز). وما كاد هؤلاء يرحلون عنها حتى جاء اليهود واحتلوها.
كان في الرملة، في أوائل عهد النضال، زهاء ثلاثمئة مناضل من أبنائها: خمسون منهم تابعون لفرقة الجهاد المقدس يأتمرون بأوامر الشيخ حسن سلامة؛ والباقون إما من رجال الحرس البلدي، أو مناضلون متنقلون.
وتقوت شكيمتهم عندما انضم إليهم مئتان وخمسون من البدو المتطوعين يقودهم الشيخ فيصل بن شهوان والشيخ جمال المجالي من مشايخ الكرك. وكان ذلك في أوائل شهر شباط (فبراير) 1948. ولكن هؤلاء المتطوعين انسحبوا من الميدان في اليوم الثاني والعشرين من شهر أيار (مايو) سنة 1948، من دون أن يقوموا بأي عمل يذكر.
حاصر الرملة سرية من رجال الإرغون بعد انسحاب الإنكليز منها في 14 أيار، حاصرتها بطلب من قيادة الهاغاناه، ولكنها صُدت بعد أن تكبدت خسائر فادحة، هذا بالرغم من أنها كانت مسلحة وكان لدى اليهود يومئذ مدافع قوسية (مورتر) من عيار ثلاث بوصات. وقد أمطروا الرملة بوابل من قنابلهم، ولكن المجاهدين العرب كانوا عنداً.
بدأت المعركة بعيد سقوط اللد بساعتين إلا ربعا. فقد سقطت اللد في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر الأحد الموافق 11 تموز، ثم سقطت الرملة أيضاً بيد اليهود. وقد تم ذلك في ساعة مبكرة من صباح يوم الاثنين الموافق 12 تموز سنة 1948.
حدثني الشيخ مصطفى الخيري أنه تم الاتفاق مع اليهود عند احتلالهم للرملة أن لا يترك السكان منازلهم.
لكنهم عادوا فاعتقلوا زهاء ثلاثة آلاف شاب في سن القتال، وأمعنوا في الباقين من السكان نهبا وسلبا وقتلا وتخريبا، ثم أجبروهم على الرحيل (14/7/1948)، فرحلوا عن طريق القباب وسلبيت إلى رام الله. ولم يبق فيها سوى أربعمئة نسمة.
ولقد قتل في المعارك التي قامت حول الرملة ثمانية عشر مناضلا عربيا وقتل مثل هذا العدد يوم الاحتلال. وما كاد يمر على احتلالها عام واحد حتى غيّر اليهود معالمها، وسكنها منهم الالاف.