لعبت اسرائيل وعلى مدار سنين دور الدولة الديمقراطية حيال مواطنيها العرب، ولكنها، على ما يبدو، لم تعد قادرة على اخفاء عورتها العنصرية
“قانون القومية” المزمعة المصادقة عليه هذه الايام، سيشكل منعطفا خطيرا بالنسبة لنا نحن المواطنون العرب في هذه البلاد، نحو سلب ما تبقى من حقوقنا القومية والمدنية وذلك في اطار قانوني لا يمكننا التظلم أمام أي محكمة ضد ما قد نتعرض له بعد الآن، من تمييز على اساس عرقي أي تمييز عنصري، لا سيما وان القانون المشؤوم يعتبر قانون اساس، أي دستوري، تعتمد عليه قوانين أخرى.
لقد مر القانون المذكور بالقراءة الاولى في الكنيست، أي تمت المصادقة على ضرورته مبدئيا وبقي للقراءة الثانية والثالثة تحديد الصياغة الدقيقة لبنوده المتعددة، أي ان الجدل الدائر في الاوساط السياسية حاليا، يتمحور حول بعض البنود التي من شأنها ان تضع اسرائيل أمام العالم في خانة الدول المستبدة بشعوبها، أي ان الجدال حول كيفية حماية اسرائيل وسمعتها وليست دفاعا عمن يسلبهم القانون المذكور حقوقهم.
ومن بين البنود الاكثر بروزا في انتهاك الحقوق الاساسية للأقلية العربية في البلاد، ان القانون يعتبر دولة اسرائيل موطنا قوميا لليهود، وهذا يعني ان كل من ليس يهوديا في هذه البلاد يتحول بين ليلة وضحاها الى غريب في ارضه، ويصبح وجوده في بلده منّة من السلطات عليه يمكنها حرمانه منها متى شاءت.
وبالرغم من محاولات تخفيف الطابع العنصري الفظ للقانون المقترح، يربط المشرع في نصوصه بين اليهودية والديمقراطية في وصف اسرائيل في خلطة غريبة، تقول: إن “اسرائيل دولة يهودية ديمقراطية”. هذه اللعبة لا تنطلي على احد: إذا كانت اسرائيل دولة ديمقراطية فذلك يعني ألاّ تمنح الامتيازات لمجموعة دون أخرى على اساس اثني عرقي. وإذا كانت اسرائيل دولة يهودية فلا يمكنها ان تكون ديمقراطية لأنها ستفتقر للمساواة بحكم تعريفها لنفسها على انها دولة تابعة لفئة من المواطنين دون الفئات الاخرى.
ولهذا نجد ان مشروع “قانون القومية” على كثرة صفحاته التي تفوق العشرين صفحة، لم ترد ولو لمرة واحدة، كلمة “مساواة” في بنوده المقترحة، وهذا ينفي عن الدولة صبغة الديمقراطية بكل الاحوال.
بند آخر في مشروع “قانون القومية” يجرد اللغة العربية من مكانتها كلغة رسمية في البلاد، بالرغم من انها لم تكن يوما لغة رسمية بمعنى الكلمة، كما هي على سبيل المثال اللغة السويدية في فنلندا، حيث السويديون اقل بكثير من العرب في اسرائيل. الآن يقترح المشرع الاسرائيلي ان يمنح اللغة العربية صبغة اللغة الجائز تداولها في المؤسسات العامة دون مكانة رسمية. أي لا لافتات باللغة العربية في الشوارع ولا نصوص عربية في نماذج المستندات ولا توفير مترجم في المؤسسات الرسمية لمن لا يجيد العبرية ولا حتى خدمات هاتفية بالعربية. وليس من المستهجن ان يتعرض العربي للمضايقة في محطة الباص مثلا اذا تحدث بالعربية عبر هاتفه او تصفح جريدة عربية.
والى جانب تعزيز الرموز اليهودية للدولة من علم ونشيد رسمي وشعار للدولة وغيرها، فإن البند السابع للقانون المقترح يتحدث عن انشاء تجمعات سكانية (بلدات) لمواطنين تجمعهم مواصفات مشتركة مثل الدين والقومية. بعبارة أخرى، بلدات لليهود فقط، لا يحق للعربي العيش فيها. هذا البند العنصري، نصا وروحا، يثير حرجا لدى بعض الاوساط السياسية في اسرائيل ممن يعتبرون معتدلين.
في هذا السياق، تدخل رئيس الدولة ريفلين وانتقد القانون في هذا البند وأخذ عليه أنه يميز ضد المثليين والمتدينين المتزمتين وغيرهم من المجموعات السكانية بمن فيهم العرب. نعم، لقد خجل الرئيس ريفلين بالدفاع عن العرب لوحدهم كأقلية قومية تتعرض لسلب ابسط حقوقها، وانما وضع العرب في رزمة واحدة مع مثليي الجنس و”الحريديم” لكي يستنهض المدافعين عن هذه الفئات.
وبالمناسبة لم تكن مواقف الشخصيات السياسية المحسوبة على اليسار الاسرائيلي مختلفة من حيث الجوهر. فكل من تحدث ضد القانون، فسر موقفه بأنه لا يريد لإسرائيل ان تظهر كدولة غير ديمقراطية على الساحة الدولية وأمام الراي العام العالمي، وليس دفاعا عن حقوق الاقلية العربية في البلاد.
خلاصة القول ان اسرائيل ومن خلال قانون القومية المقترح، سوف تنتقل من حالة انكار سياسة التمييز العنصري الى ممارستها علنا. إذ ان سياسة التمييز العنصري(الابارتهايد) تقيم ها هنا معنا منذ زمن طويل. فالأبارتهايد يعيش بالصوت والصورة والممارسة اليومية في مدينة الخليل وفي غور الاردن وفي بقية ارجاء الضفة الغربية، وها هو أخذ يزحف الآن الى داخل “الخط الاخضر” بواسطة هذا القانون العنصري.
لقد انتهت مسرحية التبجح الاسرائيلية بأنها ديمقراطية، وباتت الظروف الدولية، بنظر السياسيين الاسرائيليين، مواتية للجهر بما يمارسون من تمييز على اساس عرقي منذ سنين. فلم تعد اسرائيل بحاجة للحديث عن مشاركة العرب في انتخابات الكنيست لتبييض وجهها امام الملأ، مع ان الصوت العربي في البلاد لم يكن مشاركا ولو مرة واحدة في صنع القرار منذ قيام الدولة بسبب اقصاء الاحزاب العربية عن أي معادلة ائتلافية او المواقع الاخرى لصنع القرار.
لم تعد اسرائيل بحاجة الى تبرير دور “الكيرن كييمت” واستحواذها على الاراضي العامة في الدولة ومنحها فقط للمواطنين اليهود، بينما تدعي الديمقراطية التي تستوجب المساواة. لم تعد اسرائيل بحاجة بعد الآن للحديث عن حق العربي في العلاج في المستشفيات لتثبت ديمقراطيتها، ولا ان تتحدث عن حق تعليم الطلاب العرب في الجامعات كنوع من مواصفات “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق، رغم انها “الديمقراطية الوحيدة” في العالم التي تمارس الاحتلال منذ خمسين عاما.
الآن تتحول اسرائيل من دولة تصنعت الديمقراطية تجاه مواطنيها العرب الى دولة تفرض التفرقة العنصرية بالقانون. وإذا تصادمت صبغة اليهودية مع صبغة الديمقراطية في أي قضية امام المحكمة، فإن القانون المقترح يحتم تفضيل الصبغة اليهودية. أي ان القانون يحدد للمحاكم تفضيل اليهودية على الديمقراطية في الحسم في قضايا ذات طابع اثني، وذلك يعني ان أي خلاف ذا خلفية عنصرية يصل الى المحكمة، سيكون القرار لصالح اليهودي بموجب القانون.
سيتم التصويت على القانون إذ ان الاغلبية العددية للتصويت في الكنيست مضمونة، ولكن هل سيمر القانون بكل بنوده في حال الاعتراض عليه في المحكمة العليا، ان المحكمة العليا ستخضع للترويض اسوة ببقية المؤسسات، من خلال قانون يضمن انضمامها الى جوقة الطابع العنصري الجديد للدولة ؟