لا تخلو دعوات البعض لنواب القائمة المشتركة بالاستقالة من منصبهم بعد تمرير قانون “القومية اليهودية” من انتهازية فجة، خصوصا عندما تأتي هذه الدعوات خاصة من بين “أكاديميين وأساتذة في الجامعات الإسرائيلية ومراكزها البحثية” المختصين ، أو العاملين في إحدى مجالات ا العلوم الاجتماعية، لم نسمع يوما منهم تهديد بالاستقالة ردا على ممارسات وقرارات مشابهة للجامعات التي يعملون فيها. كما أنهم لا يقدمون في دعواتهم بديلا حقيقيا أو خطة منهجية وواقعية لمواجهة القانون، ناهيك عن أنهم مثلهم في ذلك مثل النواب أنفسهم يبدون كمن “فوجئوا بتمرير القانون على حين غرة” ويتصرفون وكأن القول “أمر دبر بليل” ينطبق على تمرير قانون هو قيد التداول منذ 2011، والإعلانات عن قرب حسم إقراراه ، تكررت منذ مطلع العام، بل إن رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة زف في أواخر آذار الماضي، مطلع نيسان، من على صفحته على الفيسبوك ما اعتبره إنجاز “منع تمرير قانون القومية ومنع قانون الأذان”.
سبق أن قلت في مقال سابق إنني لا أحسد النواب في القائمة المشتركة على الحالة التي وجدوا انفسهم فيها، قبل يومين من التصويت عن القانون عندما بدأت تتقطع خيوط الصفقة أو “التفاهم” الذي أعلن عن توصلهم إليه مع أحزاب الحريديم وصمد في عدة تصويتات. التزم نواب المشتركة بما قطعوه على أنفسهم ، وهو التزام استفاد منهم الحريديم ووظفوه سلاحا مسلطا على نتنياهو لتحقيق مطالبهم، ضاربين بتعهداتهم للعرب عرض الحائط عندما خضع نتنياهو لمطالبهم .
دخل النواب عن القائمة المشتركة في حالة حيص بيص، مع إعلان أوري ماكليف صباح الأربعاء، قبل 14 ساعة تقريبا من التصويت، أن الحريديم سيعارضون بند اللغة العربي، لكنهم سيصوتون مع القانون، وأثبت القرار الذي أتخذه النوب بتمزيق أوراق القانون في مشهد مسرحي، مكرر لسلوكهم عندما مزقوا قبل سنوات، كل على انفراد أوراق قانون النكبة، أنهم خلافا لما كان يتوقع منهم،( وبينهم من يحبون الظهور بالإعلام كخبراء في السياسة الإسرائيلية وكواليسها) لم يستعدوا جيدا لهذا السيناريو، واكتفوا برد فعل عاطفي مسرحي، للحفاظ على ماء الوجه، لأن هذا في واقع الحال أقصى ما كان يمكنهم فعله حقا، في الظروف الحالية، لعدم وضعهم خطة منهجية مسبقا لتلائم هذه الحالة.
ويقود هذا إلى عنوان المقال أعلاه، ليس من باب الاستخفاف بالنواب، أو لا سمح الله عدم الثقة بهم، بل لأن الأداء الحالي، وبالمناسبة على مدار الدورة الحالية، يشير إلى وضع غير صحي على الإطلاق، من ترجيح ثقل نواب الكنيست كمرجعية أولى وأخيرة ، على مرجعية ومكانة من أرسلهم للكنيست، أصحاب المرجعية الأصلىة، وأعني الأحزاب السياسية التي انتخبتهم التي يفترض أن تكون صاحبة المرجعية في توجيه نوابها المنتدبين للكنيست، وتحديد المواقف، وتصويب الأداء في حال تراخت الخيوط وتراجع الأداء عن الخطوط العريضة الأصلية.
وقد بدأت هذه الأعراض مثلا في قرارهم لقاء نتنياهو مباشرة بعد الانتخابات، وقصر اللقاء على رؤساء كتل الأحزاب، دون إشراك ممثلين عن الأحزاب أولا، والقبول بشروط نتنياهو باستقبال رئيس اللجنة القطرية السيد مازن غنايم ورفض الاعتراف بلجنة المتابعة وبالتالي استثناء رئيسها من اللقاء، وهو لقاء واضح أنه تم دون الرجوع الفعلي والجاد إلى مؤسسات الأحزاب للبت أصلا بعقده من عدم عقده وتقييم دلالات اللقاء بنتنياهو الشرعية التي يمنحها اللقاء لتصريحاته العنصرية يوم الانتخابات، وشرعنة رئيس حكومة فاز بفعل تحريض عنصري معلن وموثق.
خلال وقت قصير تناسى النواب في المشتركة ومعهم الإعلام، أن القائمة المشتركة، أو نوابها في الكنيست ليسوا جسما مستقلا أو موازيا للأحزاب التي ينتمون إليها ولا للجنة المتابعة التي تشكل الأحزاب الممثلة في الكنيست جزءا منها، وتكرر هذا الأمر أيضا عندما وافق ما يسمى “رؤساء القائمة المشتركة” أن توجه لهم هم عبر الكتلة البرلمانية الدعوة للمشاركة وحضور مؤتمر فتح الأخير، وليس لأحزابهم وأمنائها ورؤسائها، ليقرر كل حزب من الذي سيمثله في المؤتمر.
وزيادة في الطين بلة، فإن الرغبة بتقديم وتوفير أي إنجاز للمواطنين العرب، ردا على ادعاءات اليمين والإعلام ماذا فعل النواب العرب، دفعت ولا تزال ببعض النواب، إلى تفضيل، خطوات فردية وانفرادية لإظهار العمل والإنجاز(الشخصيين)، حتى لو كان خدماتيا، وهو ما ساهم في تكريس دعاية اليمين والأحزاب الصهيونية وكأن النواب العرب لا يفعلون شيئا، لأن هذا النمط و”العزة بالإثم” حالت دون قول الحقيقة البديهية ان الكنيست أصلا سلطة تشريعية وظيفتها مراقبة السلطة التنفيذية، وأن المعارضة، أي معارضة (بما فيها حتى حزب العمل ، أو في الحكومة السابقة الحريديم) لا يمكنها بفعل موازين القوى القائمة تقديم إنجازات عينية حقيقية.
لو التزم نواب المشتركة بشرح وتأكيد هذه الحقيقة، وأكدوا أن التمثيل في الكنيست هو للدفاع عن حقوق العرب بشكل عام، بفرص محدودة جدا للنجاح بفعل موازين القوى والطبيعة العنصرية للكنيست لوفروا على أنفسهم وعلينا جهدا كبيرا لا حاجة له.
وهنا نعود إلى أصحاب الدعوات التي لا تخلو من انتهازية، لأن بعض أصحابها يريدون منها إحراج النواب العرب وأحزابهم لا غير، والبعض يريد أن تدعوه الأحزاب، وتتوسل إليه أن يترك برجه العاجي ليعين رئيسا وقائدا للمسيرة، مع أنهم وبفعل “ألمعيتهم الأكاديمية في مجالاتهم”، ومناصبهم الرفيعة ، يدركون ويعرفون جيدا حدود ما هو ممكن إنجازه وتحقيقه في الكنيست، وبالتالي فإن دعواتهم هي إلى حد كبير نوع من ترديد ما يبدو أنه حق لخدمة الباطل.
وهنا أصل إلى مسالة الاستقالة من الكنيست لأقول باعتقادي، إن القطار قد فات على هذه الخطوة، على الأقل حاليا بفعل خروج الكنيست للعطلة الصيفية، وبرأيي أنه لو كان النواب العرب، استعدوا مسبقا، من خلال وضع تصورات لسيناريوهات مختلفة، عبر تشاور فعلي داخل أحزابهم لكان عليهم الاستقالة مباشرة مع تمرير القانون في نفس اللحظة قبل أن يبرد حديد التصويت العنصري.
اليوم فات موعد الاستقالة كرد فعل أولي، وهناك مقترح من التجمع لتجميد وتعليق النشاط خلال الدورة القادمة، إلى جانب سلسلة خطوات أقرتها لجنة المتابعة، وتكرر مع إعلانها نمط محاولة جعل الكتلة البرلمانية للمشتركة جسما موازيا، ومحاولات إبراز موقف أو مبادرة لهذا النائب دون غيره، وليس موقف الحزب الذي ينتمي إليه عبر الحديث إعلاميا عن قرارات المتابعة وقرارات المشتركة (أتخذت في جلسة مغلقة؟؟)، بدلا من الحديث عن موقف عام للجميع مما يجعلنا ندور في نفس الحلقة المفرغة من العمل الفهلوي والارتجالي غير المدروس وغير الممنهج.
لا بد لنا من بدء التحرك فعلا كجماعة قومية (مع أن هناك من يرفض هذا التصور) تعمل بشكل مدروس وعلمي، وفق مرجعيات ثابتة. وفي غياب تنظيم قومي حقيقي وفاعل، فإن الأحزاب البرلمانية هي صاحبة المرجعية في تحديد المسألة من الاستقالة للنواب الذين انتخبتهم وانتدبتهم للكنيست، وعليها تحديد موقفها من خلال حوار مع باقي الأحزاب والحركات ، غير البرلمانية، أيضا للوصول إلى تصور جمعي متفق عليه، لا يترك متسعا لمحاولات الفهلوة أو للقرارات الشعبوية والعروض المسرحية التي نأمل ألا تتكرر في الجلسة “الاستثنائية المرتقبة” للهيئة العامة للكنيست، والتي من الوهم تعليق آمال كبيرة عليها بعد أن قالت الكنيست كلمتها وصادقت على القانون.