موقف الأحزاب من استقالة النواب كموقف الأم التي تخشى على ابنها من الخضوع لعملية جراحية فتردد ان العملية الجراحية لن تجدي نفعا!
حين نطالب نواب “المشتركة” بالاستقالة، فإنما نبحث عن سبل غير تقليدية في وقت نتعرض خلاله، نحن المواطنون العرب في هذه البلاد، لهجمة عنصرية غير تقليدية، لا يمكننا بأي حال من الأحوال تخطيها او التعايش معها مثلما تعايشنا من قبل مع قوانين عنصرية أخرى.
فقانون القومية سيشكل أساسا للعديد من القوانين العنصرية التي ستحدد مستقبل وجودنا في بلادنا. ولذلك بدلا من ان نبدد جهدنا المستقبلي في محاربة هذه القوانين القادمة كل على انفراد، علينا توجيه جل جهودنا الآن لإلغاء القانون الأساس المأفون “قانون القومية”.
واستقالة نواب “المشتركة” ليست سوى خطوة جريئة من التحركات ضد قانون القومية ستليها خطوات تصعيدية أخرى أشد جرأة. وإني لأرى مثل هذه الاستقالة تحدث صدى دوليا عارما ينتشر عبر نشرات الانباء في كل ارجاء العالم كالنار في الهشيم ليدفع كل مواطن في العالم الى التساؤل: لماذا استقال هؤلاء النواب العرب من البرلمان الإسرائيلي”، فيبحث بنفسه عن الرسالة التي نريد ايصالها له بأننا نعاني التمييز العنصري والاقصاء والاضطهاد القومي.
إن الاستقالة في هذه الحالة ستؤدي دورا هائلا في نشر رسالتنا الى العالم بطريقة أفضل مما قد تؤديه عشرات الخطابات المنمقة والحماسية من على منبر الكنيست، حتى تلك التي تخللها تمزيق القانون او رفع الأذان.
وستحدث الاستقالة الجماعية دويا هائلا يصل الى مسمع المواطن العادي أينما كان في العالم، وسيدفعه الى الانتباه لقضيتنا والتعرف عليها بصورة مباشرة علاوة على ان الاستقالة الجماعية غير المسبوقة، ستحرج إسرائيل في المحافل الدولية وستكشف زيف تبجحها بالديمقراطية وسيضعها على الأقل في تصور الناس على انها دول عنصرية تعيد الى الاذهان نظام الابارتهايد الذي لفظه العالم في مطلع التسعينيات، ناهيك عن ان الاستقالة ستكون دفعة قوية لجهود BDS، الحركة الدولية لمقاطعة منتجات المستوطنات وسحب الاستثمارات الأجنبية من إسرائيل بسبب الاحتلال.
ثم ان الاستقالة المطلوبة لا تعني مقاطعة انتخابات الكنيست، إلا إذا قررت القيادة غير ذلك، انما المقصود من هذا المطلب هو التنازل عما تبقى من الدورة الحالية للكنيست بصورة تظاهرية جماعية لغاية الانتخابات القادمة التي ستقام في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل 2019 إن لم تقم في موعد مبكر.
سيقول البعض وماذا بعد استقالة النواب؟ هل هذا سيلغي القانون؟ الإجابة عن هذا التساؤل مشتقة من التساؤل نفسه: الامر المؤكد واليقين هو ان بقاء نواب “المشتركة” في الكنيست لن يلغي القانون المأفون بل سيزيد من حظوظ تطبيقه مهما حاول نوابنا شرح وجه نظرهم في الصحافة الأجنبية او في حلقات سياسية ضيقة هنا وهناك. فالقانون بحاجة الى ما هو أكثر وأكبر من فتات التحرك النضالي الذي لا يسمن من جوع.
أما من يظن ان التحركات السياسية والنشاطات الوهمية قد تساعده على امتصاص غضب الجماهير واللعب على عامل الزمن لتتلاشى حدة المطالب الجماهيرية، فهو غلطان بائس لأن الامر لا يتعلق بقانون جانبي محدود التأثير، كما لا يتعلق الامر بجماهير سنوات الخمسينيات التي لم تكن تميز بين “فليسقط وعد بلفور” وبين “فليسقط واحد من فوق”.
إن استقالة نواب “المشتركة” التي ادعو اليها الآن، عبارة عن خطوة نضالية هامة لا بد ان تليها خطوات تصعيدية اشد حدة الى ان نحقق مطلبنا بإلغاء هذا القانون المسلط كالسيف على رقابنا.
من هذا المنطلق، لماذا لا نبدأ منذ الآن بالتفكير في الخطوة التالية في حال لم تف استقالة النواب بالمطلوب؟ لماذا لا نفكر باستقالة كافة رؤساء السلطات المحلية العرب في البلاد كخطوة تصعيدية تالية؟ لماذا لا نبدأ الاعداد لتحركات شعبية حقيقية وليس تحركات شكلية تنظم رفعا للعتب؟ هل هناك من قوة قيادية عربية محلية يمكنها ان تخرج الجماهير الى الشوارع في مظاهرات ضخمة او ان تدعو الى اضراب عام وفق معادلة يوم الأرض الأول؟ هل نحن على استعداد للانسحاب ولو بصورة مؤقتة من مواقع عملنا المحورية في مرافق الدولة احتجاجا على القانون؟ هل حقا نريد الغاء القانون المقيت ام اننا نسعى للتحايل على الجماهير العريضة لتقبل به كمشيئة إلهية؟ وإذا كنا نسعى حقا لإسقاط القانون،
فهل نحن مستعدون بلوغ حد العصيان المدني كما فعلت شعوب أخرى في بلاد أخرى دفاعا عن حقوقها القومية المنتهكة؟
انني بهذا اخاطب الجمهور غير المؤطر حزبيا وتنظيميا في أي من التشكيلات السياسية. انني اخاطب المواطن الواعي لمخاطر هذا القانون ويسعى الى التصدي له. اخاطب المواطن العربي صاحب الموقف الحر غير المرتبط بموقف حزبي، لأن أعرف موقف الأحزاب من مطلب الاستقالة…إنه موقف الأم التي تخشى على ابنها من الخضوع لعملية جراحية فتردد صبحا وعشية ان العملية الجراحية لن تجدي نفعا!
وللحديث بقية…