إذا كان الله عز وجل خلق النفس البشرية وفضلها علي باقي المخلوقات ومن النفوس المتصالحة مع ذاتها التي كرمها الله النفس اللوامة التي أقسم الله بها ليعلي من شأنها و النفس المطمئنة التي وعدها بدخول الجنة قال تعالي: “لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة”
وقال جل شأنه:” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيه مرضيه فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي ” فأن المقصود بالتصالح مع النفس هو عدم التفاعل مع المشكلات بعصبية وانفعال وصراع داخلي حيث ان تصالح الانسان مع نفسه يمنحه مناعة ذاتية تقيه من أمراض عديدة نفسية وجسدية قد تصيبه نتيجة شعوره باليأس والإحباط أو الإحساس بالوحدة والعزلة أو فقدانه للحب والحنان أو تحمله لمسئوليات تفوق حد طاقته أو لمروره ب أزمات مادية أو لتفاقم الخلافات الأسرية وقد أفاد علماء النفس والاجتماع بأنه يمكن للشخص المتصالح مع نفسه أن يتغلب علي تلك المشكلات التي قد تؤثر سلبا علي صحته النفسية وتعرضه للإصابة بالعديد من الأمراض.
هذا ماكده د.سيد حسن السيد الخبير الدولي للإتيكيت وآداب السلوك بوسائل الإعلام والمحاضر بالمراكز التدريبية المتخصصة في علم الاتيكيت ولبيان كيفيه التصالح مع النفس يقدم لنا هذا الأسبوع د.سيد حسن السيد النصائح التاليه:-
1 – لاشك أن الانسان في ظل عالمنا المعاصر وما يحدث فيه من متغيرات يتعرض يوميا لضغوط نفسية وعصبية بشكل متكرر وهناك أشخاص يتفاعلون مع المشكلات بشكل عصبي وصراعي مما يجعلهم يصابون بالقلق أو الاكتئاب الذي أصبح من أمراض العصر الشائعة إلا ان هناك اشخاص لديهم القدرة علي التوفيق بين دوافعهم وبين أدوارهم الاجتماعية المتصارعة مع هذه الدوافع بحيث لا يتولد بداخلهم أي صراعات وذلك يطلق عليه التوافق الذاتي كما أن هؤلاء أيضا لديهم القدرة علي التكيف الاجتماعي من خلال تكيفهم مع البيئة الخارجية سواءا كانت مادية أو اجتماعية وذلك يجعلهم متصالحين مع أنفسهم
2 – أكدت الدراسات النفسية أن الأشخاص المتصالحين مع أنفسهم لديهم القدرة علي السيطرة علي أنفسهم والتحكم فيها ولذا فهم أكثر انتاجية وشعور بالرضا والسعادة وراحه البال كما أكدت الدراسة أن المتصالحين مع أنفسهم دائما متسامحين لذا فإن المناعة الذاتية لديهم تقلل من إفراز هرمون التوتر الذي يسبب الإصابة بمرض السكر وارتفاع ضغط الدم وكذلك الأزمات القلبية واضطرابات الجهاز الهضمي والقولون كما أن هناك دراسة طبية كشفت عن إعجاز علمي جديد قد ورد ذكره في القرآن الكريم قال تعالي:” “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” ” حيث ثبت أن الأشخاص الأكثر تسامحا ويميلون للعفو والصفح عن من أساء إليهم يتمتعون بصحة أفضل وعمر أطول من غيرهم الذين يفضلون رد الإساءة والأذى دون صفح أو تسامح. قد يظن البعض أن التسامح والعفو هو نوع من الضعف أو تنازل عن الحق وهذا الظن خاطئ لأن التسامح فضيلة ومن مكارم الأخلاق وقوه لأنه مظهر من مظاهر العفو عند المقدرة كما ان التسامح ليس مجرد رد فعل لواقعة عابره بل هو منهج حياه وليس فيه تفريط لأي حقوق لذا فقد ورد ذكر كلمه الصفح والعفو في مواضع كثيرة في القرآن منها قول الله تعالي: ” “فأصفح عنهم وقل سلام” ” وقال عز وجل :””فأصفح الصفح الجميل” ” وقال جل شأنه: “و”أن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فأن الله غفور رحيم” ”
3 – من السمات الشخصية التي يجب أن تكون متأصلة في الإنسان إلى جانب التسامح حتي يصير متصالحا مع نفسه هي الصبر والتفاؤل وعدم اليأس وأيضا التقبل وعدم التعصب للرأي كم من أشخاص حينما يواجهون أي مشكلات متعلقة بحياتهم اليومية أو المستقبلية سواء كانت مادية أو اجتماعية نجدهم ينفعلون وينزعجون وفي كثير من الأحوال يتسرعون بإتخاذ قرارات خاطئة نتيجة الاندفاع وعدم التروي وذلك لأن ليس لديهم صبر وقدرة علي التحمل ومنهم من يشعرون باليأس والإحباط لأنهم غير متفائلون و أخرين لا يتقبلون عيوب الغير وقد يسخرون منهم وينتقدونهم بأسلوب غير مهذب وهناك أشخاص يتعصبون للرأي لمجرد إثبات الوجود ولا يتقبلون الرأي الآخر وجميع هؤلاء ليس لديهم من المرونة ما يمكنهم من مواجهه الواقع والاعتراف به لتحصين أنفسهم ضد القلق والاضطرابات النفسية لذلك فهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية لأنهم جميعا غير متصالحين مع أنفسهم
4- ما أحوجنا إلى التمسك بتعاليم الدين كي نتحلى بمكارم الأخلاق ومنها التسامح والعفو عند المقدرة والصبر والتفاؤل وعدم التعصب للرأي حتي نستطيع أن نتصالح مع انفسنا ابتغاءا لمرضاة الله واتقاءا من شر الأمراض بعد أن أكدت الدراسات والأبحاث الطبية أهمية التصالح مع النفس ليتنا نأخذ بالنصائح الإيمانية الوارد ذكرها بالقران الكريم والسنه النبوية الشريفة قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم):”إن لله عليك حق وإن لأهلك عليك حق وإن لبدنك عليك حق فأعط كل ذي حق حقه” وقال رسول الله (عليه الصلاة والسلام):” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خيرا له وليس لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” وإذا أردنا أن يزداد تفاؤلنا في الحياة فلنتذكر جميعا قول الله تعالي: “والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ” وقال جل شأنه:” ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين” وإذا أردنا أن نحصن أنفسنا ضد القلق والاضطرابات النفسية فلنتذكر قول الله تعالي: وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شرا لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون” ولكي تطمئن قلوبنا بأن الله دائما معنا إذا توكلنا عليه فلنتذكر قوله جل شأنه: “وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوه الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” وعن حسن التعامل مع الغير رغم ما يصدر منهم من أساءه فلنتذكر قوله الله تعالي: “ولا تستوي الحسنه ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”
وإذا رغبنا الترفع عن من هم أقل منا وعيا وعلما ودون أن نجادلهم فلنتذكر قول الله عز وجل:” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” ما أجمل ما ورد بالقران الكريم ذلك الدستور الإلهي الذي أنزله العلي القدير كي نتصالح مع أنفسنا أولا حتي نستطيع أن نتصالح مع الغير ونتعايش معهم بمودة وألفة ووئام وحتي نجد الحلول الإيجابية لجميع المشكلات التي نواجهها سواء كانت مادية او اجتماعية واذا كانت النفس اللوامة والنفس المطمئنة لمن النفوس المتصالحة مع ذاتها التي قد كرمها الله سبحانه وتعالي فأن رحمة الله واسعه ولعل النفس الأمارة بالسوء بعد أن اغواها الشيطان تهتدي حتي يتقبل الله توبتها وتتصالح مع نفسها