لم يكن بمقدور فريدريكا موغريني بعد لقائها مع النائب أيمن عودة ووفد القائمة المشتركة، أن تصدر بيانا غير الذي صدر عنها وأوضح أنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن قانون القومية، في سياق الاعتراض عليه من قبل أعضاء من البرلمان الإسرائيلي، هو شأن إسرائيلي داخلي. ولم يكن من المفروض أن يشكل هذا الموقف مفاجأة لأحد من أعضاء الوفد، إلا إذا كان هناك من أوهم أعضاء الوفد للقائمة المشتركة ومعهم مدير مركز مساواة، السيد جعفر فرح، بأن الاتحاد الأوروبي بانتظار وصولهم لإطلاق 21 طلقة مدفعية ضد قانون القومية وتحية لهم وكل ما عليهم القيام به هو الوصول إلى بروكسيل.
أقول هذا الكلام ليس من باب المناكفة ولكن من باب الإشارة إلى أن مثل هذه اللقاءات يجري عادة ترتيب مجراها ومحتواها حتى أدق التفاصيل بما في ذلك تفاصيل ومواقع جلوس كل عضو من أعضاء الوفد الزائر، كما يتم عادة وهذا هو المفروض في العرف الدبلوماسي، أن يكون لدى الطرفين مسبقا تصور لما ستخرج عنه نتائج الجلسات ، وما هي الحدود التي يفرضها اللقاء وظروفه ، خاصة في ظل الضغوط الإسرائيلية على موغريني بإلغاء اللقاء.
والواقع أنه يمكن القول إن الإنجاز الوحيد هو في مجرد عقد اللقاء مع موغريني، التي لم تترك مجالا للشك عندما أعلنت أنها تلتقي وفد القائمة المشتركة من نفس أسس لقاءاتها مع وفود وأعضاء كنيست من مختلف الأحزاب الإسرائيلية الأخرى. ويعني هذا في النهاية أن الوفد الذي ذهب إلى بروكسيل من وجهة نظر موغريني نفسها، ومعها بطبيعة الحال الاتحاد الأوروبي بمؤسساته المختلفة، يمثل حزبا “أو قائمة” إسرائيلية” تحتج على سياسات تمييز داخلية حتى إن تم تكريسها بنصوص قانون يبقى في نهاية المطاف قانونا سياديا للدولة نفسها لا يمكن لدول خارجية أن تتدخل فيه، حتى لا تكون هذه الدول لتدخل مضاد من قبل دول أخرى بقوانينها السيادية.
لكن موقف الاتحاد الأوروبي هنا يستند أيضا إلى هوية أعضاء الوفد وكونهم أعضاء في البرلمان الإسرائيلي، وبالتالي فإن التعال معهم يكون محكوما بهذا القيد وبالعرف الدبلوماسي المتبع، خلافا لما كان سيكون عليه الموقف لو كان الوفد الذاهب إلى بروكسل وفدا شعبيا موحدا يمثل المجتمع الفلسطيني في الداخل ككل، وليس فقط الأحزاب المشاركة في البرلمان، التي تمثل في أحسن حال 60% من العرب في إسرائيل.
والواقع أيضا المرتبط بالموضوع نفسه، أن الاتحاد الأوروبي، ومنذ بدأ يلتفت للعرب في إسرائيل في أواخر الثمانينات بشكل خجول تطور بشكل سريع في سنوات التسعينات، فإنه يحرص كل الحرص، على أن تكون مساعداته ومنحه وتبرعاته للمجتمع العربي محكومة بالأساس باشتراط الاعتراف ، من قبل الجمعيات والهيئات المتلقية لمساعداته، بإسرائيل دولة يهودية، وبحقها في الوجود، وأن يكون الدعم المقدم من مؤسسات هذا الاتحاد موجه للمجتمع المدني بشكل خاص، مع أولويات واضحة لتمكين شرائح ضعيفة في المجتمع، مثل دعم نشاطات لتحسين الظروف الصحية في النقب مثلا، عبر جمعية الجليل، أو دورات وورشات عمل لوكلاء التغيير المجتمعي لجهة لبرلة المجتمع العربي. ويرى الاتحاد الأوروبي بهذا الدعم وبمعسول الكلام المرافق له ، كنوع من التنفيس وإراحة الضمير، لما قام به على مر السنين من دعم ومساندة ثابتة لإسرائيل في داخل حدود خطوط وقف إطلاق النار عام 49، ويجد الآن أمامه متسع بعد تكريس الوجود للدولة اليهودية ، لتحسين ظروف العرب في إسرائيل والاحتجاج ، ولكن بلهجة لا تتعدى معسول الكلام ، ولا تصل حد التلويح مثلا بعقوبات ضد إسرائيل جراء سياسات التمييز العنصري التي تتبعها منذ العام 48.
تكريس التجزئة بدلا من توحيد المجزأ
وخلافا لما قد يظنه البعض، أو يدعيه البعض الآخر، فإن لقاء بروكسيل، هو ليس الأول من نوعه للقائمة المشتركة نفسها، فقد سبقته لقاءات على مدار أيام في نوفمبر من العام الماضي، مثلما سبقته لقاءات وندوات كثيرة على مر السنين شارك بها نواب عرب سواء بشكل فردي أم كممثلينن أحزابهم، إلى جانب ندوات شارك بها عشرات الأكاديميين العرب تناولت أوضاع العرب في إسرائيل. وهي لقاءات كانت كافية كي يطلع الاتحاد الأوروبي كمنظمة إقليمية والدول الأوروبية نفسها، على انفراد، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا على ما يجري في إسرائيل، وسياسات إسرائيل ضد العرب، بل إن المتابعة الأوروبية لما يحدث عندنا ، وبشكل خاص منذ أكتوبر 2000 وصلا حد متابعة التفاصيل الصغيرة للخلافات ليس فقط الحزبية وإنما داخل الأحزاب نفسها، بل وبين جمعيات المجتمع المدني التي تنافست وتتنافس على الدعم الأوروبي من مختلف صناديقه ودوله.
ومقابل هذه المعرفة لما يحدث عندنا، فإن المفاجأة أو عدم الرضا من نتائج لقاء موغريني، تدل على أن القائمة المشتركة ، وللدقة يجب أن نقول أعضاء الكنيست في كتلة القائمة المشتركة، لأنه لا وجود حقيقي ، قانوني وميداني، للقائمة خارج الكنيست، تصرفوا مرة أخرى بشكل غير مدروس وغير مهني، وبنوع من اللهفة للإثبات للجمهور بأنهم يفعلون شيئا ويحققون الإنجازات، التي سرعان ما صبت موغريني عليها الماء البارد. وأقول بشكل غير مهني وغير جامع للأسباب التالية:
أولا لم نسمع رغم نشاط أعضاء من الوفد على صفحات الفيسبوك، أن الوفد قدم مذكرة رسمية، سياسية أو قانونية، عن القانون، أو حتى مذكرة عن واقع الجماهير العربية للجهات التي التقاها الوفد في بروكسيل، بل سمعنا أنهم تحدثوا واستعرضوا،(أي كل عضو كنيست منهم كانت لهم مداخلة أو كلمة) واقع الجماهير العربية، مما يعني أن كلا منهم قدم تصوره هو ولم يكن هناك تسليم تصور جماعي أو وثيقة جماعية.
ثانيا، أعلن أعضاء الكنيست في المشتركة أكثر من مرة أن القانون (قانون القومية) يصيب الشعب الفلسطيني ككل) مع ذلك نجد أنهم، وإن كانوا ينتمون لأربعة أحزاب، يشكلون جزءا من كل، استثنوا لجنة المتابعة العليا، التي يفترض أنها تمثل كافة العرب في الداخل، من الزيارة لبروكسيل، فهل هي محاولة لإخفاء شرائح وحركات في الداخل غير برلمانية، لا تؤمن بالكنيست ولا بحل الدولتين، عن أعين الأوروبيين، منعا للإحراج؟
ثالثا: المفروض أنه حتى لو تقرر قصر الوفد على أعضاء من القائمة المشتركة، مع أنها لا تثل كل العرب في البلاد، أن تكون تركيبة الوفد مراعية للمحاصصة ولموازين القوى داخل القائمة، لأ أن يشمل الوفد ثلاثة أعضاء من الجبهة واثنين من الإسلامية وأحمد طيبي ونائب واحد فقط عن التجمع، وفوق هذا أن يتم ضم مدير جمعية مساواة السيد جعفر فرح للوفد دون تفسير مقنع لهذا الضم، إلا إذا كان هو من رتب للمشتركة لقاءات بروسكيل، وهذا في حد ذاته إنجاز فردي كبير للسيد فرح، لكن ماذا يقول هذا الأمر عن أحزاب موجودة منذ سنوات وبحاجة لوساطة جمعية أهلية للوصول إلى البرلمان الأوروبي؟
وأخيرا وهو ما يرتبط بالبند الأخير، لماذا اقتصر الوفد من خارج المشتركة على مدير جمعية مساواة ولم يتم ضم ممثلين عن جمعيات أخرى، مثل جمعية الجليل، وجمعية عدالة وكيان وغيرها من الجمعيات الأخرى الفاعلة في الوسط العربي وبنفس التمويل الأوروبي.
هل حقا يعتقد أعضاء الكنيست، الذين سافروا إلى بروكسيل، وبينهم ثلاثة من المخضرمين، ممن ينشطوا في الكنيست منذ أكثر من عقد من الزمن، أن لقاءات بروكسيل، التي لا تختلف عن لقاءات عقدوها هنا مع سفراء أوروبيين على مر العامين الأخيرين، كفيلة بإلغاء قانون القومية؟ كيف يفسرون مثلا ما ذهبت إليه حنين زعبي في مقالها الأخير، بأن أغلب التقديرات ألا يتم إسقاط القانون وأن أقصى ما قد يحدث هو إدخال تعديلات طفيفة عليه؟ وكيف يتفق ذهابهم لبروكسيل مع تصريحاتهم بأن العمل الأساسي لإسقاط القانون يجب أن يكون من هنا من داخل البلاد؟
وعطفا على ذلك إذا كان القول الأخير هو الصحيح، فلماذا لا يزال هناك سعي محموم للإبقاء على كيان (وهمي) منفصل للقائمة المشتركة مع أنها جزء من كل (المتابعة)، ولماذا يتم استبعاد اللجنة القطرية عن كل هذا النشاط ، مع أنها أيضا جزء من كل.. أين الخطوات الأولية لتوحيد ما يفترض أنه موحد، بدلا م تكريس التجزئة التي عكسها مؤخرا بيان صحافي، السبوع الماضي عن رسالة وجهتها المتابعة والمشتركة والقطرية لوزير الأمن الداخلي.. ما الحاجة لهذه التقسيمات التي نفرضها نحن، بدلا من أن نرفضها، وكيف يساعد تكريس التجزئة في مواجهة قانون القومية…وهل يمكن لممثلي 60% من العرب في إسرائيل أن يخفوا عن الأنظار الأوروبية الأربعين بالمائة المتبقين، ثم أن يتحدثوا باسم الشعب كله؟؟؟