“خطوات سحرية” تجعل التقاعد “ولادة جديدة”
حين ترك الملياردير الصيني، جاك ما، منصبه في الآونة الأخيرة، عاد كثيرون إلى النبش في موضوع شائك قلما يحظى بالاهتمام، وهو كيف يقضي الناس حياتهم اليومية بعد الانتهاء من عقود الدراسة والعمل الشاقة.
وإذا كان مؤسس إمبراطورية “علي بابا” للتجارة الإلكترونية قد تنحى وهو في الرابعة والخمسين في العمر، فإن آخرين يستفيدون من تقاعد نسبي في وقت مبكر فيتوقفون عن العمل في الخامسة والأربعين، أو قبل ذلك بكثير.
وبخلاف ما هو شائع بين الناس، لا يعني التقاعد أن المرء سيركن إلى رتابة مملة وسيقضي حياته بين أربعة جدران يزعج من حوله ويرهق أقاربه بالأسئلة، فإزاء هذا الوضع، ثمة متقاعدون أذكياء يجعلون من هذه الفسحة العمرية فرصة للقيام بما لم يسعفهم الزمن في وقت سابق على تحقيقه.
من الأمور التي يقبل عليها متقاعدون؛ السفر إلى مختلف دول العالم، لكن هذا الخيار ليس متاحا أمام الكل، فحتى وإن سمح التقاعد بـ”إجازة مفتوحة”، لا يجد كافة المسنين المال الكافي للقيام رحلات طويلة، وهنا تحديدا يبرز التفاوت بين مسني الدول المتقدمة ونظرائهم في الدول النامية حيث يتدنى الدخل.
ولأن من الصعب أن يقضي الإنسان اثني عشر شهرا في القيام بأسفار ورحلات مكلفة، يحتاج المتقاعدون أنشطة تضمن انشغالهم على نحو مستمر، ولهذا يلجأ البعض إلى الجامعات والمؤسسات التعليمية لدراسة تخصصات كانوا يميلون إليها من ذي قبل، لكنهم فضلوا مسارات أكاديمية تضمن لهم دخلا ماديا أوفر.
موازاة مع هذه الخيارات، يفضل عدد من المتقاعدين الانخراط في مبادرات إنسانية وأعمال خيرية مثل المساهمة في حملات النظافة، وإذا كان المتقاعد محظوظا وذا جهد بدني، فبوسعه أن يزرع ما استطاع في حديقته، وحينما تنضج الثمار، بوسعه أن يقطفها ويتبرع بها لفائدة أشخاص، أو مؤسسات ترعى حالات إنسانية صعبة.
ويرى خبراء الصحة النفسية أن هذه الانشغالات تعود بنفع كبير على المتقاعدين، فتجعلهم ينظرون إلى أنفسهم بمثابة أشخاص فاعلين، يدفعون بعجلة المجتمع إلى الأمام عوض أن يظلوا أشخاصا يؤتى إليهم بالطعام ريثما يحين الرحيل عن الحياة.
وبما أن البشرية قد أحرزت تقدما طبيا هائلا قاد إلى ارتفاع أمد الحياة، بات من المرتقب أن تتزايد معدلات الشيخوخة في المستقبل، بينما تسجل بعض الدول المتقدمة معدلات منخفضة في الخصوبة، وهو ما يعني أن العالم سيواجه صعوبات في العناية بكبار السن على اعتبار أن الخدمات الاجتماعية تتطلب موارد مالية وبشرية.
وحتى تتضح الصورة، لا محيد عن الإشارة إلى أن نمط التقاعد يرتبط أيضا بالعلاقات الاجتماعية القائمة في مجتمع من المجتمعات، فحين تتقوى هذه الصلات الإنسانية يصبح الدفء عزاءً لكبار السن الذين فقدوا الكثير من مهج الحياة، أما حين ينفض الأقارب وينصرفون إلى انشغالاتهم وأسرهم الصغرى، يواجه المتقاعدون لحظات عصيبة في دور الرعاية، ولهذا تحديدا غنى المطرب الفرنسي الشهير جاك بريل أغنيته المؤثرة مرددا لازمة “العجزة ما عادوا يحلمون”.