الانتحار “لعبة” المرأة وهروب للرجل من مسؤولياته!

كثرت حوادث الانتحار في الفترة الأخيرة، لأسباب تتفاوت بين العاطفية والمادية والمعنوية، والفاعلون شبان وشابات ورجال ونساء تختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، أما مسرح الأحداث فقد يكون نهرا أو طريق قطار أو محطة مترو أو غرفة النوم أو حتى غرفة فى مستشفى، لكن يبقى تزايد أعداد من أقدموا على الانتحار أمرا لافتا للنظر حين تطالع أخبار الحوادث التى تنشرها الصحف أو تثيرها مواقع التواصل الاجتماعى، فإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تثبت أن حالات الانتحار فى مصر سجلت 52 حالة فى عام 2015 ثم 62 فى 2016 ثم 69 فى العام الماضى.

هذا العام وقعت 4 حوادث متقاربة في توقيتها كان مسرحها مترو الأنفاق، فهذا شاب ينتحر بالقرب من محطة ماري جرجس، وهذه فتاة عند محطة عين شمس وتكشف ملابسات التحقيق أنها تركت رسالة لوالدتها كتبتها قبل إقدامها على الانتحار تؤكد أن الأسباب عاطفية. ونترك المترو لنرى فتاة تلقى بنفسها من الطابق الرابع بسبب فشلها في علاقة عاطفية، وشابا يشنق نفسه بحبل غسيل بسبب رفض أسرته خطبة فتاة. والحقيقة أنه ليست كل الدوافع عاطفية، فهذا شاب ينهى حياته بملاءة سرير بسبب الإدمان، وهذا مريض نفسى يلقى نفسه أمام قطار، وتتعدد الحوادث والمبررات والانتحار واحد، وهذا طفل أقدم على الانتحار حزنا على وفاة خاله الذي كان قريبا منه، ويترك سطورا كتب فيها «سأذهب لألقاه في العالم الآخر». وفى الدقى أقدمت معلمة على الانتحار بإشعال النيران فى نفسها، حيث سكبت كمية من التنر على ملابسها بسبب مشاكل أسرية أسبابها اقتصادية. وفى مستشفى العجوزة ألقت مريضة نفسها من الطابق الرابع، وسقطت على الأرض جثة هامدة. وفي مدينة الحوامدية شنق عامل نفسه فى سقف شقته، بعد أيام قليلة من زواجه، بسبب خلافات عائلية بين زوجته ووالدته، وحتى أثناء مناسك الحج يقدم حاج عراقي على الانتحار!.

تقارير دولية

طبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن نحو 800 ألف إنسان يلقون مصرعهم سنويا بسبب الانتحار، وهو يعد من أبرز أسباب الوفاة في المرحلة العمرية من 15 إلى 29 عاما. كما أن الانتحار يصنف ثاني سبب للوفاة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مسجلا نسبة 78 % من هذه الحالات. أما عن  معدلات الانتحار في الشرق الأوسط فتقول التقارير نفسها إنها أقل من مثيلاتها في دول العالم، ويأتي على رأس الدول السودان يليه كل من المغرب، وقطر، واليمن، والإمارات، وموريتانيا، وتونس،  والجزائر، وليبيا، ومصر، والعراق، والأردن، وعمان، ولبنان، وسوريا، والسعودية.

وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 69 % من المنتحرين كانت لديهم ضغوط اقتصادية قاسية.

وتعقيبا على هذه الحالات يقول د. نبيل عبدالمقصود، الأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة ومدير مركز السموم بطب قصر العيني:هناك حالات للانتحار وهناك محاولات للانتحار أو التظاهر بالانتحار، وهو أسلوب يلاحظ في الشباب عامة والفتيات خاصة، وعادة ما يكون لجذب العطف أو لفت الانتباه أو الوصول لهدف يرغبون في تحقيقه على غير رغبة الأسرة. ومحاولات التظاهر بالانتحار يجب أن تؤخذ على محمل الجد من جانب الأهل حتى لا تتحول إلى عملية انتحار فعلي، ويجب اللجوء للطب النفسي للمساعدة خصوصا على صعيد الأسباب العاطفية. وأغلب محاولات الانتحار نجدها في الذكور، أما محاولات التظاهر فأغلبها تأتي من الإناث. والشخص الذي يقدم على الانتحار إنسان محبط ضعيف الشخصية، وأغلب محاولات التظاهر للانتحار تتم بتناول أقراص، حيث يتناول الشخص قرصا واحدا من العلبة ويتخلص من البقية في القمامة. أما من يرغب في الانتحار فيتناول الكمية كلها وعادة يكون ذلك في سن ما بين 18 و35 سنة. وتختلف درجة التأثر بالعقاقير باختلاف السن ونوع المادة التى تم تناولها، ولكن في كل الحالات يجب التوجه لأقرب مركز لعلاج السموم للعلاج.

اكتئاب ومخدرات

أما د. هشام رامي، الأمين العام الأسبق للأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، فيقول: ظاهرة الانتحار أو إيذاء النفس بهدف الموت أمر موجود منذ وجود البشرية، وأكثر مسبباته مرض الاكتئاب، ومن المعروف علميا أن نحو 15% ممن يعانون من الاكتئاب الشديد يتجهون للتفكير في الانتحار إذا لم يعالجوا، كما أن تعاطي الأدوية المخدرة يساعد على الانتحار. ولكن إذا تساءلنا: هل هناك زيادة في الأعداد التى تقدم على الانتحار فلا يمكن الجزم بذلك، وقد وجد أن أعلى نسب الانتحار في الدول الإسكندنافية وروسيا والمجر نتيجه للعزلة، أما الانتحار في مصر فلا يعد ظاهرة، لكن النشر في الصحف أو عبر وسائل التواصل هو الذي يعلي من ظهورها ويعطي انطباعا بأنه ظاهرة، ويكون صورة ذهنية خاطئة عن هذا الأمر.

ويؤكد د. إبراهيم عز، أستاذ الاجتماع فى جامعة 6 أكتوبر،الكلام نفسه حيث يرى أن الانتحار في المجتمع المصري لا يرقى إلى مستوى ظاهرة والأعداد لم تزد وما زالت طبيعية مقارنةً بالدول الأخرى التى تتسم بأعلى مستويات الرفاهية. ويضيف: إذا نظرنا لدوافع من يقدم على هذا الأمر في المجتمع المصري نجد أنه شخص ضعيف العلاقة بالخالق عز وجل، أي ضعف الوازع الديني، إضافة إلى وجود عامل نفسي وهو من أهم العوامل، خصوصا الاكتئاب، وأيضا عدم الانتماء لقيم الأسرة، أي أنه شخص غير طبيعي أو لديه مشاكل اقتصادية أو عاطفية، وهذه حالات نادرة خصوصا أننا شعب متدين بطبعه يتحفظ على هذا المسلك ويجد في عاداته وتقاليده ما يقوي روابطه النفسية أمام الانتحار. وللإسف فإن الإعلام في حاجة إلى وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وأن يكون الهدف من نشر هذه الحوادث القليلة توعويا، فنحن لا نقارن بالدول التى ينتشر فيها الانتحار كما في الدول الأوروبية، والأسرة اليوم في مصر ما زال لها دور في حياة الأبناء والدفء الأسري ما زال أمرا مهما ودرعا قوية لهم.

ويقول د. صفوت العالم أستاذ الإعلام فى جامعة القاهرة:الانتحار سلوك فردي نتيجة أزمة تعصف بشخص ضعيف القدرة على التحمل، ومن يقدم عليه غالبا ما يكون المرفه ماديا وليس الفقير أو محدود الدخل ممن يستطيعون تسيير حياتهم بدوافع إنسانية ودينية وقيمية ومجتمعية وحب الحياة وتجديد الدعم النفسي بأبسط السبل، مما يجعل الإنسان قادرا على أن يتصالح مع أزماته ويساعده على التغلب عليها واستعادة «طاقة الحياة». مشيرا إلى أنه يجب عدم إلقاء اللوم طوال الوقت على الإعلام بوسائله المعروفة، وأن ننتبه لتأثير قنوات جديدة أهمها وسائل التواصل الاجتماعى.ش

Exit mobile version