حكاية لا تنتهي… بقلم: ناضل حسنين
انا لست ملاكا، بل احمل كل مساوئ بني البشر بتفاصيلها… ولكنني احمل، في ذات الوقت، قلما يفضح انسانيتي االمنقوصة
مسحت ام محمد براحة يدها وجه حفيدها الراقد في السرير بجوارها بلطف وقالت: “لا يسمحون لمن اقل من سن الاربعين ان يرافق طفلا من قطاع غزة للعلاج هنا، ولهذا معظم المرافقين للأطفال من القطاع هم عادة إما الجد وإما الجدة، والعلاج هنا يستغرق احيانا اشهر طويلة”.
هذه الجدة ترافق حفيدها ابن الثالثة من عمره، منذ شهور وهي تسكن كرسيا وضعته بجوار سريره… تارة تغفو فيه وتارة تصحو لتتفقد الصغير عمر. تنهض احيانا وتتمشى في اروقة المستشفى لتقضي بعض الوقت حين يغفو الصغير ويعاندها النعاس.
وقبل ان يفلت مني سؤالي، تلفتت الجدة يمينا ويسارا ثم مالت نحوي وقالت بصوت خافت وكأنها تبوح لي بسر خطير: “بصراحة ربنا…في شهر رمضان يهل علينا الخير بوفرة ولا نحتاج شيئا، يزورنا الكثيرون من اخوتنا فلسطينيي الداخل، والكل يحمل الينا كل ما يمكن ان يحتاجه طفل مريض او مرافق مسن له…اما بقية ايام السنة فنحن هنا منسيون من كل عباد الله”.
نظرت من حولها وهي تشير بيدها الى احدى الممرضات وقالت: “اعرف كل الممرضات هنا وخاصة العربيات منهن واعرف من أي بلد كل منهن وما اسم زوجها واولادها واخوتها…اعرف كل تفاصيل المستشفى وانواع الازهار في كل ركن فيه…اعرف حتى خدوش الكراسي في قاعة التلفزيون…اعرف كل شيء هنا وكل شيء يعرفني”.
يرقد عشرات الفلسطينيين إن لم يكونوا بالمئات المرضى ومرافقوهم من قطاع غزة في عدة مستشفيات في منطقة تل ابيب، متروكين لعبث المصير والمرض…اطفال يعانون الالم الجسدي المرير والطويل، ولكن ما يؤلمهم اكثر هو حين يحل الزوار وهم يحملون ما لذ وطاب من حلوى ومن العاب للطفل الراقد على السرير المجاور…عندها ينظر الطفل الغزي نحو جدته والسؤال في عينيه: “اين العابي؟”.
وتقول الجدة ام محمد: “ربنا الله…فبعض الاهالي اليهود يتركون لنا بعض حاجيات ابنهم المريض عند مغادرته المستشفى نهائيا…يخلف عليهم”، ثم امسكت بطرف ثوبها وتابعت وهي تهزه: “ليتني حملت معي مزيدا من الملابس… فقد طال مكوثي هنا اكثر مما تحتمله ملابس سيدة مثلي…ليتني احضرت معي كتابا اقرأه بدلا من الحملقة في وجوه الزائرين…ليتني احضرت ادوات التطريز على الاقل كي اقتل الوقت القاتل هنا…”.
اثقلتني ام محمد كثيرا بما قالت…وقبل ان اجمع كل قسوتي لوداعها كي تعود الى “مسكنها”…الى كرسيها بجوار حفيدها…قلت لها: “انا مثلهم جميعا…انا لست ملاكا، ووجودي هنا ليس صدفة كما يبدو لك، بل حضرت خصيصا لزيارتكما لأن ابنك محمد تواصل معي عبر الانترنت من قطاع غزة وسرد علي حكاية امه كيف ترافق ابنه عمر الراقد هنا…لهذا جئت…ولكني سآتي في المرة القادمة دون ان يتواصل ابنك محمد معي… بل لأنني اكتشفت الآن هنا نقصا في انسانيتي”.
اخبرت ام محمد بأنني صحفي ووعدتها بأن اكتب عن هذا…لأنني لن استطيع حمل كل هذا الثقل في احشائي… وقبل ان يخنقني، علي أن أسكبه امام الجميع ليتعرفوا على هذا النوع من مآسينا…لعل البعض يقرر ان يطهر نفسه وماله هنا…
قرات المقال بتمعن فوقفت على الموقف السياسي والاجتماعي للكاتب الالمعي الامعي طاب يومه واتمنى ام القاه في بيت الاديب ..
فعلا غريب عليك ان تكتب بلا مهاجمة عدوك اللدود … الدين والمتدينين .
ولكن مع هذا، هذه الكتابة موفقة بإذن الله وعلها تكون مثقالا في كفة حسناتك .
لاول مرة اعجبتني…
ارجوك اترك بعض التفاصيل للتواصل مع من يمكن ان يوصل المساعدة او يوصلني لمن هم من امثال ام محمد وعمر