الوقفة الأولى… والخميرة والحيط!
الكثيرون ممن ليسوا اليوم في مراكز القرار وأنا منهم، يعزّ علينا كأبناء لهذا الشعب ما يجري في الساحة الانتخابيّة، فنطرح بين الفينة والأخرى مواقفنا وأعتقد أن غالبيتنا تفعل ذلك ليس من باب الترفيه أو الرفاه أو “الفضاوة”، وإنما من باب؛ الهمّ وفي أضعف الإيمان “أضرب الخميرة”، رغم معرفتك الأكيدة أن خميرتك من الصعب أن تلصق وخصوصا إن كنت لا تملك إلا إياها، ولكن حتما ستترك أثرا حتى لو تعامى عنه البعض، وذلك أفضل ألف مرّة من أن تتركها في يدك تتعفّن، وبالذات أن مثلك ربما وبحكم تحرره من التزامات فئوية يستطيع أن يقول علنا ما لا يُقال، فترميها وأجرك على الله!
الوقفة الثانية… وإرادة شعب وأمور أخرى!
بغض النظر عن حتميّة إيجاد صيغ شراكة بين القوائم بحكم رفع نسبة الحسم، فدعاة الشراكة يتمسكون بشعار “الشعب يريد” قائمة واحدة مشتركة زيادة في التمثيل، والويل والثبور لمن لا يحترم إرادة الشعب من عقاب هو أشد من نار جهنّم. وفرضا أن “الشعب يريد” ذلك لذاك، الزيادة في التمثيل، فما الفارق لدى الشعب بين قائمة واحدة أو قائمتين مرتبطين بفائض أصوات، والأمران سيّان لتحقيق رغبته هذه؟!
لا بل أكثر من ذلك أن تشكيل قائمتين مرتبطتين بفائض أصوات يمكن أن يضيف عضوا إضافيّا، وكل من يعرف طريقة حساب الفوائض حسب قانون “بدر – عوفر” يعرف ذلك جيّدا، وإن لم تخنّي الذاكرة فإنه في ال انتخابات الأخيرة تمّ توزيع سبعة مقاعد على الفوائض لم “تشمّ” حتّى رائحتها المشتركة.
لم نسمع حتى الآن أي هدف آخر معلن لهذا “الاندلاق” على القائمة الواحدة غير زيادة عدد الأعضاء لعلّ في ذلك زيادة تأثير، ولربما يكون في ذلك سدّا أمام اليمين من العودة للسلطة (لنا عودة على هذا الطرح)، وبغض النظر إن كان هذا الهدف الحقيقي أو غيره، فالقائمتان تحققان هذا “الهدف” المنشود تماما وأكثر من القائمة الواحدة، ولكن القائمتين تحققان أمورا أخرى هامة لا تحققها القائمة الواحدة.
المنطق البسيط يقول؛ إن الإصرار على القائمة الواحدة لدى البعض هو ليس الإرادة الشعبيّة والخوف من غضبة الشعب وفقط، خصوصا وأن أرادته المزعومة تتحقق وبالمنطق البسيط بقائمتين مرتبطتين كذلك، وإنما الإرادة الذاتيّة في التستر على “ما لا يٌقال” استثمارا أو استغلالا لهذه الإرادة، ومن نافل القول أن القائد خلافا للمحترف السياسي هو الذي يسيّر الناس في ركابه لا يسير في ركاب وحسب أهواء الناس. وفي هذا السياق، أما زلنا “نتغنّى” اليوم بالمواقف التي كانت عام النكبة-1948 من قرارات التقسيم؟!
القائمة المشتركة الواحدة خضوعا ل-“إرادة الشعب”، كلام حقّ يخبيء في حناياه الكثير من غير الحق. الارادة الشعبيّة هذه كانت في مرات سابقة ولم يخضع لها أحد. فالحقيقيّة إضافة إلى رفع نسبة الحسم، هي الإرادة عند بعض القوائم للتخلّص من التزاماتها تجاه بعض المركبات فيها لأنها تريد أن تتخلص منها أصلا لأنها تراها “علقا” لا فكاك منه إلا القائمة المشتركة. والقائمة المشتركة عند بعض آخر هو التستّر تحت جناح غيرها، أولا لضعف فيها لأفول في نجمها، وثانيا عدم قدرة منها أن تنكشف أمام إرادة شعبيّة حقيقية حين تضطر إلى شراكة هي المتاحة أمامها في حال القائمتين، شراكة أبعد ما تكون عن أطروحاتها الاجتماعيّة على الأقل. وبعض آخر يرى في القائمة المشتركة الواحدة طريقا للدخول إلى الساحة من الباب الخلفي بعد أن تركها من الأماميّ فلا يستطيع إليها سبيلا في قائمتين.
القائد السياسيّ خلاف المحترف السياسيّ، والمثقّف الموجِّه خلاف الموجَّه، والكادر الواعي خلاف الجاهل، هم ليسوا من يعرفون ما يريد الشعب وفقط، هم الذين يعرفون ما هو مًراد للشعب كذلك، ويستطيعون المزج بين ما يريد الشعب وما هو مراد للشعب وإقناعه بالمضيّ في هذا الطريق، وهذا هو الفرق الكبير بين الشعبويّ منهم والشعبيّ منهم وخصوصا القائد منهم، وإن أردنا لنا مثلا ساطعا من تاريخنا الحديث لفهم هذا الطرح، فلنا في طيّب الذكر توفيق زيّاد المثل.
الوقفة الثالثة… وتعليل الجسم المانع.
رأيي بتفضيل القائمتين على الواحدة وتبريراته هذا ليس جديدا، وإنما كنت طرحته في كانون الثاني 2015 ومن بين ما قلت فيه: “ليس الواحد منا بحاجة لأن يكون خبيرا انتخابيّا حتى يدرك أن كل المؤشرات تدلّ على أن رأس الحكومة القادمة منوط ب- كحلون وليبرمان، وجلّ ما يستطيع فعله العرب (11 كانوا أو 15) هو أغلاق الطريق أمامنتانياهو إن أوصى كل من كحلون وليبرمان على هرتسوج- ليفني بتشكيل الحكومة، فدعونا من هذا الطرح لأنه يصحّ فيه مثلنا: “شو جابت من عند خالتها؟!”، نتخلص من نتانياهو مانعين ائتلافا برئاسته ونقبض ائتلافا أحد مركباته ليبرمان.” فهل تختلف اليوم الخارطة السياسيّة المتوقّعة أو تغيّر فيها شيء اللهم إلا تبدُّل “المعسكر الصهيوني” ب-“غانس- المَنعة لإسرائيل”!؟
الوقفة الرابعة… والحضارة التعدديّة.
على ضوء كلّ ما تقدّم وإضافة له، وما دامت “إرادة الشعب” تهدف لإدخال أكبر عدد من الأعضاء وتتحقق كذلك في القائمتين، فلماذا لا نعزز الإرادة الشعبية بالأفضليّات الأخرى التي تتحقق بقائمتين لا يمكن أن تحققها قائمة واحدة، والشعب ليس أعمى وطرحه بحاجة لقليل من القطران وسيقبل هذا القطران؟!
أولا: القوائم موضوع الشراكة ثلاثيّة الفكر (رغم الرّباعيّة)، اللهم إلا إن قبلنا “الطرح العبقريّ” الذي يتردد وكأن الفكر والموقف ولّى زمانهما وولت الأحزاب حملتُهما أمام المصلحة الفرديّة والنجوميّة، ومع ذلك وما دمنا في هذه الانتخابات لسنا في صدد تطبيق “الاشتراكيّة” ولا تطبيق “الإسلام هو الحل” ولا تطبيق “القوميّة العربيّة الجديدة”، يبقى لنا القضايا المطلبيّة الحياتيّة والقوائم في هذه أحاديّة الطرح، وتبقى لنا القضايا الوطنيّة والسياسيّة، محليّا وإقليميّا، والقضايا الاجتماعيّة، والقوائم في هذه ثنائيّة الطرح، وهذه كذلك جزء من حياتنا إلا إذا كان هنالك من يريد لنا “الأسرَلة” حتى النخاع، والقوائم ليست كذلك لا طرحا ولا ممارسة مع بعض التباين.
ثانيا: في القضيّة المطلبيّة الحياتية، فالقوائم موحدة الطرح بقائمة مشتركة أو دونها، وهذه القوائم موضوع النقاش عملت وتعمل في الكنيست بشراكة مثلى في هذه القضايا، ويكفي لمن لا يعرف، أن نذكر الحقيقة البرلمانيّة التالية، مثالا لا حصرا: ” يحق لكل كتلة من عشرة أعضاء كنيست أو مجموعة كتل من عشرة، أن تطرح اسبوعيّا اقتراح نزع ثقة عن الحكومة. الأحزاب العربيّة حتى تستطيع ذلك تشترك على الموضوع وكل اسبوع تطرح اقتراحا كهذا مداورة يتناول القضايا الحياتيّة على الغالب، وكل حزب يتحدث في هذا الموقف باسم كل الأحزاب”.
ثالثا: الانتخابات البرلمانيّة وما دامت غالبيّة قوانا السياسيّة تريدها، هي ليست معركة ظبّ أصوات و- “كيف ما جاءت تيجي” يصير المهم فيها أن ندخل للكنيست أكبر عدد من الأعضاء، علما أن الطرح حول تجميل الديموقراطيّة الإسرائيليّة بدخولنا الكنيست ليس طرحا من المريخ ولا يُستهان به ولا يفهمّن أحد إني من دعاة ال مقاطع ة، فالمعركة هي كذلك عمل تثقيفيّ على الشكل الذي نريد أن يكون عليه وجودنا كأقليّة قوميّة، ولذا يجب أن تكون المعركة على الأطروحات أولا وقبل كل شيء وأن نضع أمام الناخب الخيارات.
ففي قضيّة العلاقة مع الدولة واليهود هنالك تمايز بين القوائم، وإن كان طفيفا، لكنه لا يبلغ حدّ الثنائيّة بينها رغم ادعاء البعض أن التمايز أعمق. وفي القضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة هنالك بين القوائم ثنائيّة مواقف، فمنها من هو مع السلطة الفلسطينيّة ودورها ومنها من هو ضدّها. وفي القضايا الإقليميّة هنالك من هو مع “ربيع” تركيا وقطر والسعوديّة وهنالك من هو مع “خريف” المقاومة وفي مقدمها سوريّة، وهنالك “المُوَنّسِين”. وفي القضيّة القوميّة هنالك من هو مع القوميّة ممارسة وهنالك من هو مع القوميّة شعارا خصوصا قوميّة “العربي الجديد”. وفي القضايا الاجتماعيّة بكل جوانبها، الطائفيّة والمذهبيّة والجنسيّة، هنالك من هو مع التنّور وهنالك من هو مع التخلّف ولن يحل ذلك تجميل القائمة بمرشح ينتمي إلى هذه الشريحة أو تلك أو بامرأة تتبنى مضمونا وشكلا كل أوجه التنور.
صحيح أن الثنائية والثلاثيّة أعلاه تتقاطع أحيانا داخل كل حزب وحركة وقائمة، ولكن هذا التقاطع لا يغيّر من الوجه الغالب لهذا الحزب أو هذه الحركة أو هذه القائمة.
هذه الأحاديّة المطلبيّة، وهذه الثنائيّة الوطنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وهذه الثلاثيّة الفكريّة، ليست فقط ديدن القيادات والمحازبين وإنما كذلك الناس المصوّتين، فبغض النظر عن فكر وموقف المرء منها وما يتبنى منها و- “كل على دينه الله يعينه”، تستأهل أن تدور حولها الانتخابات تنافسيّا ويقول فيها شعبنا كلمته ويعبّر عن إرادته فيها وليس في هذا تناقض لإرادته في الشراكة، وبشكل حضاريّ ليس بالضرورة من خلال الانتقاص من الآخر انتمائيّا شخصيّا وأيّا كان على ألا يشمل ذلك الانتقاص من أطروحاته نقاشا حضاريّا، وهذا مقدور عليه.
لا يستهينَنّ أحد في أهميّة ذلك ليس فقط مبدئيّا حضاريّا تثقيفيّا وإنما إلكتوراليّا انتخابيّا تحفيزيّا لا يقل بتاتا عن المتوخى في هذا السياق من القائمة الواحدة، لا بل يعزّز المتوخى، ولا حاجة عندها لتحييد أحد أو التخلص من أحد أو سدّ الطريق أمام أحد.
وهل هذا ممكن؟! جدّا!
الوقفة الأخيرة… ولالتقاط الأنفاس.
يُحسن القادة السياسيّون صنعا إن التقطوا أنفساهم وبدأوا ببذل جهودهم في الفترة المتبقيّة لتقديم القوائم، للعمل مجتمعين على ترتيب البيت بقائمتين، بدل بذله في محاولات لا طائل منها بعد أن خطت العربيّة للتغيير خطوتها والتي لا أرى رجعة فيها، محاولات بدأت تأتي بأُكُلَها السامة من كيل الاتهامات المتبادلة. هذا عدا عمّا يعكسه ضمنا “التباكي” على المشتركة من علامات ضعف وخوف غير مبرّرين من حيث يدري أصحابه أو لا يدرون.
كل ما أمكن أو يمكن تحقيقه بالمشتركة يمكن تحقيقه بقائمتين مرتبطتين انتخابيّا وحياتيّا، مع إضافة نوعيّة في رفع إحياء الأطروحات السياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة بين الناس والتي بدأت بوادر تخلّ عنها لأطروحات “تخلّفية” تملأ الفراغ، ولنا في الانتخابات المحليّة مثل. التعدّدية هي الحضارة وهي الثقافة لأكثريّة أو لأقليّة!