لا يوجد اجماع بين المواطنين العرب في إسرائيل على حجم ومعنى خطورة التحولات الجارية في هوية وعقائد القوى السياسية التي ستتحكم في رقبة الدولة في حالة نجاح معسكر بنيامين نتنياهو وحلفائه من “الكاهانيين” الفاشيين ومن جميع الحركات والأحزاب الدينية العنصرية والقومية العسكرية المتطرفة، التي تجاهر بمواقفها الاقتلاعية تجاه السكان الفلسطينيين ولا أقل تجاه أرض فلسطين الكبرى .
“يستبشر” كثيرون في جميع أرجاء العالم العربي والاسلامي وبيننا نحن المواطنين، خيرًا ويتمنون صعود اليمين الاسرائيلي الجديد، وبعضهم لا يخفي آماله ورغبته بتنامي قوة هذا اليمين وبزيادة سطوته وقمعه ضد المواطنين العرب وبشكل عام؛ وتعتمد حجتهم في ذلك على مقولة الأجداد وعلى “حكمتهم” المخاتيرية الملتبسة عندما كانوا يعجزون في مواجهة قضية وهي صغيرة فيتمنون أن تتعاظم لأنها “إذا لم تكبر لن تصغر “.
وفي المقابل، هنالك رهط يثق بايمان مطلق وبقناعة غيبية عمياء بأن السماء سوف تنتصر “لأمتنا”، وسوف يلحق جنودها الهزيمة ببني اسرائيل الغاصبين المستعمرين الكفرة، وتعيد الحق لأصحابه قريبًا أكثر مما نتوقع .
على جميع الأحوال، سبعون عامًا مضت ولم يرتدع قادة اسرائيل من صدى الدوائر ومن أحجامها، بل مضوا في بناء كيانهم ساعة كان قادة العرب والمسلمون يصرون على كونه كيانًا مزعومًا، في حين كان بعضهم يخشونه ويستدرّون رضاه بالخفاء ؛
لا يعرف التاريخ معنى للحقيقة الخالصة، فهو ، في إحدى تجلّياته، قفص للخرافات وفراش للأماني الخائبة، وفي غيرها هو عِلم الخواتيم والنهايات، لا سيما اذا كانت هذه هي نفسها بواعث للبدايات الجديدة ولمآلات يصنّعها الخيال والأمل.
فما أقصر الذاكرة وما أطول الخيبة، لكنه نتنياهو، قرصان الفرص المستحيلة ومخصّب اليأس، يصر دائمًا على أن يلقننا بأن الشرق ما زال واسعًا، وفيه لأشقائنا، العرب، أثنتان وعشرون خيمة، وتبقى إسرائيل وحدها ملجأً لليهود فقط.
لن أناقش من يؤمنون بقانون المطلق وبحتمية القدر، وكأنه يسير في اتجاههم فقط، فمثل أولئك سيجيبوني بأن تاريخ الأمم لا ينعكس بمرآة دولة عمرها ناهز السبعين سنة، ولا بما حققه شعب من انتصارات بلورية ستزول بعد أن يسترد العدل عافيته؛ وكذلك لا يجوز أن نستهين بوعد الله المعطى لخير أمة أخرجت للناس؛ فكم من امبراطورية درست وامّحت آثارها، وكم من الأقوام هانت وركعت أمام سهام الحق واصرار أصحابه الأخيار . فانتظر يا “حنظلة”.
ما بني على باطل فهو باطل، يدعي أصحاب النكبة، ولا يضيرهم أن القول منقول عن حكيم سفر ” كوهيلت/ الجامعة” التوراتي ؛ فحتى لو تشاوف نتنياهو وجميع الصهاينة بأنهم أحيوا امجاد أجدادهم بعد ألفي عام وبعثوا لغة كانت كالرماد في المواقد، وأشادوا العمارة والقباب من دون أن يتعثروا بسياط الملايين أو عند أعتاب أدعية المؤمنين المتضرعين، لن تدوم لهم هذه النعمة وسقوط مملكتهم أمر مؤكد لا محالة . ورحم الله “طوقان” .
أنا لست ممن يؤثرون “العض على النواجذ” ولا انتظار برقة الدهر الحارقة، ولست ممن يرغبون بالاستحلام على كرامة مدثّرة في خوابي القهر، أو أن أعيش يومي وانتظر من دون استقرار وعدالة وسلام بينما تتراقص أمامنا “ظبات” شاكيد وأشكنازي، وتلمع في ساحاتنا رماح ريجف وغانتس، وتتوعدنا عنجهية “نتنياهوية” كنا قد خبرناها على جلودنا، وفي طعم المرارة الباقية في حلوقنا.
علينا ألا نراهن على من خذلونا ذات صيف؛ وعلينا أن نستعد اليوم لمواجهة ساعة الصفر القريبة، فحكومة سيشغل فيها “كاهاني” منصب وزير العدل ستضعنا أمام أزمات وجودية يومية، وحكومة سيكون فيها وزير التربية والتعليم من الدعاة لانفاذ قوانين الشريعة اليهودية واعتمادها كناظم أوحد لعلاقة الناس بدولتهم ستزجنا كل يوم في مأزق خطير وتدفع بنا نحو الهاوية.
لا اعترض على ممارسة الجميع قناعاتهم بحرية، فهذه كما قلنا وكررنا حقوق مكفولة؛ لكنني، ومعي كثيرون، نشعر بأننا نقاد إلى “حتوفنا ” باسم الحق العاري وباسم العدم ، ومن قبل قيادات تفضل أن تتعظ بدروس من التاريخ وهم يحسبونها كبديهيات حليفة لنا ويتغافلون عما قدمه لنا،هذا التاريخ، من تجارب على مذابح القهر والهزائم العربية وغيرها .
من سيقول لنا، بعد الانتخابات، كيف سنضمن نجاتنا ؟
فاذا ما سلّمنا، كما يدعي كثيرون بيننا، بأن الدولة اليهودية لن تقبلنا كمواطنين شرعيين، وهذا افتراض صحيح، واذا لن نسعى، وهذا واجبنا كضحايا، من أجل اجتراح وسائل نضالية مبتكرة وكفيلة لحمايتنا من النار الوشيكة، فما العمل؟
من حين لآخر نقرأ عن وصفات لمفكرين يعرضونها علينا كمخارج من ورطتنا، ومن دون التقليل بمجهود من محّص ودرس واجتهد واستعرض، سنبقى بحاجة لمن يفهمنا بلغة بسيطة ومباشرة وعملية ما معنى، مثلًا، أن نتعامل، نحن العرب السكان الأصلانيين، مع اسرائيل “ككيان مستعمر” ؟
أو ما المعنى حين يقترح علينا البعض اقتفاء تجربة السود في أمريكا؟ بينما ينصحنا غيرهم بتبني تجربة السكان السود في جنوب افريقيا حين ناضلوا ضد سياسات الفصل العنصري البيضاء؟
من دون أن نتفحص اذا كان واقعنا يستجيب فعلًا لتلك التعريفات، اتساءل كيف سيصرف حزب سياسي هذه الشعارات وسيحولها الى برامج عمل نضالية ؟ فعلى جميع من يطرح هذه الافكار من على منابرنا ان يلحقها بمقترحاته العملية المستساغة لدى الجماهير من أجل اقناعها وتجنيدها في مواجهة الجحيم المقبل.
نحن بحاجة الى النظرية والفكر بشرط ألا تبقى معلقة على الشرفات كمعروضات لفن التنظير ؛ فحالنا بعد هذه الانتخابات القريبة سيكون أعقد وأخطر مما هو عليه الآن، خاصة وانني على قناعة بأن كثيرًا من الوقود والزيت التي ستؤجج نار العنصريين سيلقيها بعضنا بأيديهم على نارهم وذلك كما حدث في الماضي.
لا دين للارهاب
بعد الجريمة التي نفذها مأفون نيوزيلاندي يدعى برينتون تارانت في مدينة كرايستشيرش ، وقتل فيها خمسين مصليًا مسلمًا جاءوا متعبدين في مساجدهم، امتلأت الصحافة ووسائل التواصل والمواقع الاجتماعية وغيرها بآلاف النصوص التي علاوة على شجبها الحاسم لهذه الفعلة النكراء الخسيسة، أكد أصحابها بأن لا دين للارهاب .فهل حقًا أنه لا دين للارهاب ؟
أنا، وبعكس ما أجمع على تأكيده، اعتقد أن كل دين في ديانات العالم حمّال لبذور الفتنة والارهاب .
فالدين من غير المؤمنين سيتحول إلى مجموعة قصص وخرافات وحكايا ، ومن خلالهم يكتسب مكانته كمنظومة فروض وتعاليم وقيم يتبعونها في حياتهم .
ولا دين بلا ايمان، واذا تحوّل الايمان لأعمى ولمطلق صار الطريق الى استعداء الغير قصيرًا واحتمال قتل الأخرين باسمه واردًا ومبررًا .
وعليه فقد يكون القول أن لا دين واحد للارهاب هو القول الصحيح. وللحديث بقية
أمي ،
” أعدي من زهور اللوز والرمان يا أمي ..قلادة ، وأرتقي لي معطفي البالي..ارتقي قلبي، يا أمي، وأشلاء بلادي” .
هل قلت أن العالم بعدك ينقصه قلب والسماء قد ازدانت بأبهى نجمة