حديثي هنا غير موجه الى من لا يصوتون عادة بدافع اللامبالاة، ولست أخاطب من لا تهمهم شؤون الانتخابات أصلا لا من قريب او من بعيد…ولم يكونوا يوما من المصوتين لا في الماضي ولا في الحاضر، بل انني لا اعاتب المقاطعين من “الإسلامية” الشمالية الذين لا يعترفون بالكنيست، ولا “أبناء البلد” الذين يقاطعون الانتخابات مبدئيا، فكل هؤلاء مقاطعون للانتخابات باستمرار، وعدم تصويتهم هذه المرة لن يبدل من الامر شيئا جديدا، انما كلمتي موجهة الى كل من قرر الان مقاطعة هذه الانتخابات بالذات لتقصير في عمل نوابنا او لاستيائه من تفكيك “المشتركة”، او حتى لغضبه من صيغتي القائمتين العربيتين الحاليتين!
انا لا أنكر عليكم حق المقاطعة، بل أرى انه موقف يجب احترامه، وهو بنظري تصويت ولكن خارج الصندوق. موقف كهذا جدير بالاحترام وليس لأحد الاستهانة به، لا سيما حين يكون قائما على قناعة ذاتية راسخة لدى من يقاطع.
ادعو هؤلاء بأن تعالوا نشارك هذه المرة ولنعتبرها المشاركة الأخيرة في انتخابات تجري على هذا النحو، تعالوا قبل الشروع بالمقاطعة نخلق البديل ونضع وصفة محكمة لتمثيلنا البرلماني قبل اعلان الغضب وطرق الباب خلفنا. تعالوا نتخطى هذه الدورة لنبدأ اعتبارا من يوم الأربعاء، غداة الانتخابات، في تشكيل تمثيل مأمول لنا نحن الجماهير العربية يكون مختلفا بصورة جذرية عما هو متبع اليوم، لأنه من غير المعقول في هذه اللحظة ترك جماهيرنا العربية في البلاد بدون بوصلة!
وحتى لا يكون حديثي عاما، فإنني ارى بلجنة المتابعة مؤسسة يمكن تحوريها وتحويلها لتتجاوب مع تطلعاتنا القومية والمدنية، لجنة تنتخب دوريا وجماهيريا بمعايير ديمقراطية، سواء أعضائها أو رئاستها. لجنة كهذه ينبغي ان تكون الممثل الشرعي الأعلى لنا نحن العرب في هذه البلاد. لجنة كهذه تكون مخولة دون سواها في فرز قائمة وحيدة لمرشحينا للكنيست وتعكس بصورة نسبية وحقيقية التشكيلات السياسية والاجتماعية الممثلة فيها بمن في ذلك الشخصيات النخبوية البارزة التي لا تنضوي تحت كنف أي تشكيل سياسي، وهي عضو في لجنة المتابعة.
والى جانب كون لجنة المتابعة الهيئة الوحيدة المخولة بالتحدث باسمنا، يجب ان تتشكل من بين اعضائها لجان وهيئات اختصاص تمثلنا امام الوزارات الحكومية، تعنى بشتى قضايانا وجوانب حياتنا كالتعليم والبناء والثقافة والبنى التحتية والرياضة وغيرها العديد من شؤون الاقلية العربية في البلاد.
كما لا بد للجنة المتابعة المنتخبة ان تخوض مفاوضات “الطاولة المستديرة” (الند للند) مع السلطات الرسمية في إسرائيل لتضع ثوابت أساسية تضمن لنا حقوقنا كأقلية على ان تبقى هذه الثوابت في مرتبة “القداسة” على مر الزمن لا يحق لأي حكومة، مهما كانت متطرفة، المساس بها او تغيرها بتصويت أكثرية برلمانية. مفاوضات كهذه تعتبر ممارسة معروفة في الدول التي تعيش فيها أقليات قومية، وهي وسيلة لحماية هذه الأقليات ولا أحد يرى بها حرجا او استهجانا.
من غير الممكن بالنسبة لنا، نحن العرب الفلسطينيين في اسرائيل، الاعتماد على الديمقراطية الشكلية القائمة على رأي الاغلبية العددية، لأن الحكم البرلماني في البلاد، ومنذ قيام الدولة، يستخدم كأداة استبداد قومي قشوره ديمقراطية يعتمد موقف أغلبية اثنية ضد أقلية اثنية.
في مثل هذه الحالة، لا يمكننا الدفاع عن حقوقنا بغض النظر عمن يمثلنا في الكنيست، لأن اي تصويت شكلي في أروقة البرلمان، يجعل من ابسط حق لنا حلما غير قابل للتحقيق، لهذا فإن حقوق الاقليات في الدول متعددة الاعراق، تتبلور عادة عن طريق التفاوض ووضع الثوابت الأساسية التي تكفل المساواة في توزيع الموارد وصيانة المقومات الثقافية للأقلية وغيرها من اسس التعايش.
لهذا كله، ولأن الامر لا يقتصر على الامتناع عن التصويت، ولأن المقاطعة لا تتعدى كونها رفضا للوضع القائم وليست طرحا للحل البديل، تعالوا نتخطى هذه الانتخابات لنثبت للسلطات اننا أقوياء حتى إذا جلسنا نقارعها غدا كلجنة متابعة منتخبة احترمتنا لأننا أقوياء.
يمكن البدء بترتيب هذا المشروع الواسع بعد الانتخابات البرلمانية مباشرة.