في هذه المقالة تتناول المستشارة التربوية ومدربة التنمية البشرية والمعالجة الأسرية، أحلام جمعة، كيفية التعامل مع ابنك بحسب شهادته المدرسية.
اليوم الاخير في السنة الدراسية، يتلقى الابن شهادته ويدسها على عجل في حقيبته قبل ان تلمحها عيون الاخرين. يعود الى بيته بخطى بطيئة متعثرة. تستقبله والدته بتشوق لرؤية نتائج تعبها وسهرها الليالي وهي عاكفة على تحضيره ليوم الامتحان. بتردد شديد يخرج الابن شهادته، ومطئطئ الراس يناولها الورقة متاهبا لثورة الغضب المتوقعة اثر رؤيتها النتائج.
بانفعال شديد تستعجل الوالدة ردة فعلها مؤنبة ومتفاجئة بما تراه عيناها، لا تدري أتعاقبه فورا ام تتريث لحين حضور والده لاتخاذ قرار بشأنه.
في هذه الاثناء يمر الشريط المعتاد امام عيني الام ليعرض مشهدا لامهات سعيدات فخورات بنتائج ابنائهن، متباهيات بنجاح امومتهن، على صفحات شبكات التواصل الاجتماعية، وفي كل فرصة سانحة.
تقارن موقفها بموقفهن ليزداد شعورها بفشل امومتها وليزداد تحسرها على سوء حظها، تود لو تتوارى عن الاعين علها تتجنب السؤال المنتظر “ما معدل شهادة ابنك؟”.
شريط اخر يمر امام عيني الابن ليعرض مشهدا لزملائه، اخوته وابناء عمه السعداء المحظوظين بشهاداتهم المتميزة والفخورين بانفسهم وبما ينتظرهم من مكافئات ثمينة جزاءً بما كسبوا.
يقارن موقفه بموقفهم، ليزداد شعوره بفشله باحراز شهادة ترضي والديه وتسر بالهم، وليزداد تحسرا على سوء حظه.
مشهد مالوف ليوم استلام الشهادات المدرسية، به يصنف الاباء ويحدد مدى نجاحهم كمربين، وبه يصنف الابناء ويحدد مدى نجاح في المستقبل.
من منا لا يريد ان ينجح؟
الشهادة المدرسية ليست مقياسا لمدى نجاح الاباء والابناء. الشهادة العالية ليست ضمانا لنجاح الابناء في الحياة، والشهادة المتدنية ليست عائقا لنجاحهم وتميزهم مستقبلا.
تاريخنا حافل بالنماذج لشخصيات اشتهرت عالميا رغم فشلها في المدرسة، واستطاعت ان تحقق الانجازات الرائعة التي ما زالت تخدمنا حتى يومنا هذا. ولدينا افضل نموذج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قاد شعوبا وامما واستطاع ان يخرجها من الظلام الى النور وهو نبي امي لا يقرا ولا يكتب.
ولكن كيف اتعامل مع شعوري بالغضب وخيبة الامل من تحصيل ابني؟
1- اولا تفهم ان ابنك لم يختر ان يحصل على شهادة متدنية وينعت “بالفاشل”، فموقفه لا يحسد عليه، وحسبه ما يشعر به من ذنب لعدم رضى والديه عنه ولخيبة املهم به، وحسبه ان معلميه وزملاءه يرونه “فاشلا”.
فلا تزد من المه واحباطه ولا تعاقبه فهو احوج ما يكون في هذا الوقت، لمحبتك وتقبلك وتقديرك له مهما كان مستوى تحصيله. العقاب لن يضمن شهادة افضل في المرات القادمة ولكنه سيضمن احساسه بالمرارة وضعضعة ثقته بنفسه وتقديره لذاته.
2- لا تشترط حبك وتقديرك له بمستوى تحصيله المدرسي، بهذا ستحكم عليه بالفشل والحرمان من محبتك له، وستقمع قدرات ومواهب ومهارات اخرى كان سيبدع بها لو وجد بها اعترافا وتقديرا منك.
3- لا تجعل الشهادة المدرسية مركز حياتك واساس علاقتك مع ابنك، فهذا كاف لخلق التوتر في مناخ الاسرة. كن على دراية ومتابعة مستمرة لوضع ابنك التحصيلي والاجتماعي لدعمه خلال السنة ولا تنتظر لنهايتها.
4- تحدث مع ابنك اولا عن النتائج الايجابية في شهادته وعلى المجهود الذي بذله خلال السنة. نتائجه السلبية اتركها لوقت لاحق به تنصت له وتحاوره حول كيفية مساعدته للتحسن ولكسب تعاونه وقم بتحويل الموقف لبداية جديدة ولفرصة للتعلم من الاخطاء وتوجيهه لمكان اكثر ايجابية وثقة بمقدرته على النجاح والتحسن.
5- لا تقارن ابنك مع غيره (اخوته، ابناء عمه، زملاءه او غيرهم) فهذا كفيل بتحطيم ثقته وتقديره لذاته. يمكنك مقارنته مع اداءه الحالي او السابق لأجل التشجيع، فمثلا تقول له “في السابق نتائجك كانت افضل” او ” استطعت ان تتحسن كثيرا هذه السنة”.
6- ليكن تركيزك على معايير اخرى تريد تقييمها في تربيتك لابنك قد تكون في سلوكه وفي علاقاته مع الاخرين، او في طريقة تنظيمه لنفسه ووقته او في مهارات اخرى تريد ان يتقنها ونشاطات يمارسها.
7- ليكن همك نجاح ابنك في امتحان الاخرة الازلي، ولتكن معايير نجاحه بقدرما يكتسبه من قيم اخلاقية عالية واداب راقية بتعامله مع الاخرين، وبقدر صدقه وعطائه وتجنده لخدمة مجتمعه، وبقدر مخافته الله وتمييزه بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ وليحظى بالمكافئات على ذلك وليس على الشهادة فقط.
وختاما اتمنى لكم قضاء عطلة سعيدة وامنة.
روابط ذات صلة:
مع المستشارة احلام جمعة- العنف أسبابه، دوافعه، سبل معالجته وتوصيات تربوية للأباء
مع المستشارة احلام جمعة: انشغال الوالدين عن ابنتهما يترك في داخلها فراغا كبيرا
مع المستشارة احلام جمعة- تعبيرات والدية مألوفة ومتداولة
مع المستشارة احلام جمعة- هل انا موهوب؟
مع المستشارة احلام جمعة- الجزء الثاني: الحلول للتقليل من العنف ومواجهته؟
مع المستشارة احلام جمعة- الجزءالاول: تعريف العنف ومسبباته
مع المستشارة احلام جمعة- كيف نستغل شهر رمضان للتواصل العائلي!
مع المستشارة احلام جمعة- كيف نحفز ابنائنا على النجاح في دراستهم؟!
مع المستشارة احلام جُمعة – الشهادة المدرسية: هل هي تقييم للاباء ام للابناء؟
مع المستشارة احلام جُمعة – اعرف نفسك: ما هو اسلوبك في التربية؟
مع المستشارة احلام جُمعة: ما هو اسلوبك في التعامل مع ابنائك؟
مع المستشارة التربوية والاسرية احلام جمعة- “زوجي شديد كثير على الاولاد..!”
مع المستشارة “احلام جمعة”- كيف يمكننا ان نساعد الابناء على اكتساب ثقتهم بانفسهم!
مع بداية العام الدراسي- نصائح للطلبة من المستشارة احلام جمعة
مع بداية العام الدراسي- نصائح للمعلم من المستشارة احلام جمعة
عشية العودة الى المدارس- 11 نصيحة للوالدين من المستشارة احلام جمعة
ابني يشاغب كثيرا في البيت والمدرسة ماذا افعل؟! المستشارة “احلام جمعة”
صدى التربية- العسر التعلمي محور الحوار مع المستشارة أحلام جمعة
مع المستشارة التربوية أحلام جمعة- توصيات للأهل مع بداية العام الدراسي