صفقة القرن: “من دهنه اقليه” – بقلم ناضل حسنين
الولايات المتحدة الامريكية تحاول بأموال عربية ان تنزع المسؤولية عن حليفتها اسرائيل في قضية تشريد اللاجئين
يتحدث الجانب الاقتصادي الذي سيتم الكشف عنه في البحرين هذا الأسبوع، من “صفقة القرن” عن خطة اقتصادية بقيمة 50 مليار دولار من اجل إيجاد حل لقضية الشرق الأوسط، وتحديدا القضية الفلسطينية. بعبارة أخرى ثمن حل القضية حسب الرؤية الامريكية هو 50 مليار دولار.
27.5 مليار من هذا المبلغ ستستثمر في الضفة الغربية وخمسة مليارات سيتم استثمارها في انشاء معبر بين قطاع غزة والضفة الغربية والباقي سيتم توزيعه على قطاع غزة ومصر والأردن ولبنان.
اما مصادر التمويل فنحو 80% من هذا المبلغ سيأتي، وفق الخطة، من دول الخليج وبالاساس من السعودية والامارات، ونحو 10% سيأتي من دول الاتحاد الأوروبي بينما الباقي سيأتي من الولايات المتحدة واليابان والصين وكندا وأستراليا.
مدة تحقيق هذه الخطة هي عشر سنوات !
ولكن تعالوا ننبش في حيثيات هذه الخطة التي اصابت الجميع بالصرع منذ ان سمعنا بها لأول مرة قبل عامين.
لقد اعلن الفلسطينيون رفضهم القاطع لهذه الخطة وانهم لن يتعاملوا معها إلا من منطلق “الحل السياسي أولا”. أما دول الخليج فكعادتها تنصاع للمطالب الامريكية بكل صغيرة وكبيرة بدون أي شروط بالرغم من التصريحات السطحية التي يطلقها الملوك والامراء عن حقوق الشعب الفلسطيني ومطلب القدس عاصمة لهم وما الى ذلك، وهي كلها تصريحات لا تتعدى كونها ضريبة كلامية لا أحد يأخذها على محمل الجد.
“صفقة القرن” ليست مجرد طرح حل لقضية الشرق الأوسط وفقا لرؤية ترامب وحسب، فقد سبقتها تحضيرات طويلة الأمد لتضمن امكانية تمريرها ونجاحا، على الأقل هكذا ظن كوشنير وغرينبلات وهما يستمعان الى نصائح نتنياهو.
فبعد سحب “ملف القدس” من طاولة المفاوضات باعتراف ترامب بالمدينة عاصمة لإسرائيل، وبعد تجفيف مصادر تمويل وكالة “الاورنوا” لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وبعد وقف المساعدات الامريكية للمشاريع وتطوير السلطة الفلسطينية وبعد خصم أموال عوائل الشهداء والأسرى من اموال المقاصة التي تعيدها إسرائيل للسلطة الفلسطينية كل شهر، وبعد تقاعس دول الخليج، مع سبق الاصرار والترصد، في دفع مستحقات أموال الصمود… بات من العسير على الفلسطيني ان يتنفس بأموال الدول المانحة (النرويج بالاساس) التي لا تكفي حتى لشربة ماء لكل فلسطيني … هذا التجويع العلني للفلسطينيين سلطة ولاجئين وجمهور عادي، بات يهدد بين ليلة وضحاها الفلسطيني بلقمة عيش أبناء اسرته.
لهذا كان من الضروري من وجهة النظر الامريكية البدء بطرح المخرج الاقتصادي من هذا المأزق كفاتحة للحل السياسي. والمخرج هو عبارة عن رشوة اقتصادية للحصول على موافقة سياسية… قطعة خبز لجائع مقابل موقفه.
يقول الخبراء الاقتصاديون ان الجانب الاقتصادي من صفقة القرن سيضمن مليون مكان عمل في الضفة الغربية، هذا يعني سنضطر الى استيراد وافدين من الصين وتايلاند للعمل في الضفة الغربية… ويقولون ان هذا المبلغ يعني نحو 3 آلاف دولار لكل عائلة فلسطينية وان النمو الاقتصادي سيتضاعف خلال عقد من الزمن أي عشرة أعوام.
الحل الأمريكي يأتي عملا بالمقولة الشعبية “من دهنه اقليه” أي بأموال العرب يحاولون حل قضية العرب. فالأموال المخصصة لمصر، وفقا للتسريبات تهدف الى اقتطاع مساحة من سيناء محاذية لقطاع غزة لتوسيع القطاع المزدحم على ان يشمل لاحقا رفح المصرية وحتى مشارف العريش مقابل تطوير اقتصادي لهذه المنطقة وفي المقابل اقتطاع مساحة مشابهة من أراضي إسرائيل في المنطقة الواقعة بين قطاع غزة وايلات ومنحها لمصر…اي تبادل أراضي مع مصر.
وأما الأموال المخصصة من الصفقة للأردن فهي تعويض للحكومة الأردنية لقاء توطنين اللاجئين الفلسطينيين وتجنيسهم وشطب تعريفهم كلاجئين والتخلص من المخيمات بإنشاء مساكن عصرية لهم بهذه المبالغ.
ذات الامر سيتم في لبنان… تجنيس وتوطين للاجئين المقيمين هناك بحيث تختفي المخيمات الفلسطينية وتتحول الى بلدات حديثة بفضل هذه الأموال. وسيتم توزيع الأموال على اللاجئين كعائلات وليس كأفراد على ان يكون مفتاح التوزيع عدد اللاجئين عام 1948.
اما الجانب السياسي من الصفقة فسيدخل طريق المفاوضات المسدود والمعروف بالتوازي مع تحسين ظروف العيش للفلسطيني أينما كان في الضفة وغزة والشتات… هذا الظرف سيجعل من الموقف الشعبي الفلسطيني اكثر مرونة وليونة بشأن ما يعتبره الثوابت الفلسطينية. وعندما يجد اللاجئون الفلسطينيون في الأردن ولبنان انفسهم ذوي حقوق مدنية كمواطنين وانهم يملكون العقارات كغيرهم، ستخف تطلعاتهم الى العودة الى حيفا او يافا، لا سيما وان الجيل الذي يعرف حيفا ويافا وغيرها قد انتقل الى رحمته تعالى وبقي جيل لا يعرف سوى محيطه الحالي.
وبهذا تنتهي قضية اللاجئين، واما القدس فعلى ما يبدو سينتقل اسمها الى أبو ديس وما حولها من بلدات صغيرة ليطلق عليها القدس وتعلن عاصمة لدولة فلسطينية لا وجود لها على ان يسمح للفلسطينيين ولكافة المسلمين والمسيحيين العرب والأجانب بدخول الأماكن المقدسة في القدس القديمة بأريحية.
تعلق الإدارة الامريكية وإسرائيل الآمال على ان الفلسطيني وبعد ان يتذوق طعم رغد الحياة اليومية ورخاء عيشه مع اسرته، لن يرغب بالعودة الى حالة الحرمان التي يعيشها الآن، وسيكون على استعداد لمكافحة الأصوات التي تعارض الحل السياسي القادم مهما تضمن من تنازلات. فطالما هو وأبناء اسرته بخير ورخاء، فلن يشغل باله هل القدس عاصمة ام القدس الجديدة (أبو ديس) هي العاصمة، بل انه قد ينتفض ضد أولئك الذين ينادون بالحفاظ على الثوابت الفلسطينية… بدعوى “كفى عذابا ولنقبل بهذا الحل”… علما بأن معظم الأنظمة العربية ستدفع باتجاه هذا الحل وتشجع على القبول به.
وبالتالي سيبقى الاحتلال جاثما على صدور الفلسطينيين مع تخفيف قبضته الأمنية وإزالة الحواجز داخل الضفة الغربية باستثناء حماية المستوطنات، على اعتبار ان المخاطر الأمنية من جانب الفلسطينيين ستتلاشى مع ارتفاع مستوى معيشة الفلسطيني.
الدولة الفلسطينية ستكون بدون حدود معروفة أي ان إسرائيل لن تكون بحدود مرسومة، فالجيش الإسرائيلي سيبقى في غور الأردن يرابط على الحدود مع الأردن، والدولة الفلسطينية الوهمية ستقام على مناطق A وB على ان يتم ضم مناطق C للسيادة الإسرائيلية (60% من الضفة الغربية وتشمل غالبية المستوطنات). لا جيش فلسطيني واسرائيل ستكون مسؤولة عن حماية الدولة الفلسطينية مقابل دفع تكاليف هذه الحماية من الاموال العربية، اي ان الاحتلال سيصبح مدفوع الثمن.
هكذا تتصور الإدارة الامريكية وإسرائيل الحل القادم… أولا لندع الفلسطيني المحروم يرى شيئا من الدلال حتى يتخلى عن أسباب الحرمان.
“موت يا حمار”…