لوحظ في الفترة الأخيرة، تصاعد انتشار ظاهرة انتهاك الخصوصية بكاميرات الهواتف الذكية، إذ يتم تصوير ضحايا حوادث العمل، السير والقتل، والسيدات والفتيات خلال الأعراس والمناسبات وأثناء التسوق، والجلسات الخاصة، ثم بث هذه المقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها عبر تطبيقات التراسل الفوري، ما يتسبب بأذى نفسي ومعنوي للأفراد، في صورة تعد انتهاكا اخلاقيا، حقوق وإنسانية الغير، كما وتعتبر سلوكا سلبيا بحد ذاته، منافيا للقواعد القانونية، والدينية والأخلاقية والعرفية.
تقرير: جهاد ناشف
حذّر عدد من المواطنين، من تصاعد انتشار ظاهرة انتهاك خصوصية الغير، بكاميرات الهواتف الذكية، داعين إلى ضرورة تفعيل القانون، لردع “كل من تسوّل له نفسه، بأن يلتقط صورا للآخرين، في أوضاع لا يرغبونها، دون إذنهم”.
ولفت الكثير من المواطنين، إلى ان هنالك من يقوم بتصوير ضحايا حوادث العمل، السير، والقتل، وغيرها، والسيدات والفتيات خلال الأعراس وأثناء التسوق، وما إلى ذلك، ويبثون تلك الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يعد انتهاكا صارخا لحقوق الغير ومشاعرهم، والدخول إلى حرمات الغير وخصوصياتهم، والتعمد في إيذاء الآخرين، وقد تنجم عنه مشاكل اجتماعية، لا يحمد عقباها.
ورغم أن بعض المجمعات التجارية، والكثير من الأماكن العامة تمنع التصوير، إلا أن الرقابة شبة غائبة، كما أن من يقوم بتصوير ضحايا حوادث الطرق والقتل والعمل، لا يتعرض للمساءلة القانونية، على انتهاك خصوصية الغير والتشهير بهم، على مواقع التواصل الاجتماعي.
وغالبا ما نرى مواقع التواصل الاجتماعي، تعج بمقاطع الفيديو، التي تحمل في طيها، لحظات محرجة وحرجة، ووضعيات لأناس وقعوا ضحايا لحوادث سير او عمل، ناهيك عن تصوير اللحظات المؤلمة للمصابين، والمناظر المؤلمة والبشعة للقتلى في جرائم القتل، في ظاهرة تنم عن انعدام الأخلاق والإنسانية.
ومن الحالات المؤلمة جدا التي حدثت، لدى سقوط عامل في ورشة بناء، واصيب بجروح صعبة جدا، ما لبث ان توفي على إثرها في المكان، حيث اصطف حوله فضوليون، وبدلا من استدعاء الإسعاف له، فإنهم شرعوا بتصويره لحظة احتضاره، وهو يشير بكفيه بعدم تصويره حتى فارق الحياة، وواصلوا التصوير عوضا عن مساعدته ولو بشربة ماء!، ذلك من باب الهوس بنشر الصور والحصول على إعجاب الأصدقاء، على مواقع التواصل الاجتماعي، ضاربين عرض الحائط بالأخلاق والضمير، وانتهاك حرمة الأنسان والجسد والميت، غير مبالين بمشاعر أقرباء وأسرة الضحية، حينما يشاهدون هذه المقاطع المصوّرة لعزيزهم، وهو في أمس الحاجة لهم، أو تعرضه للألم الشديد قبل وفاته، ما يعمّق جراحهم ويزيد حُزنهم ويضافهم ألمهم، بدلا من التخفيف عنهم في مصابهم الجلل.
وحدثت في الآونة الأخيرة، حالات تداول بها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج التواصل في الهواتف الذكية، كالـ “واتساب”، مقاطع أو صور، لجرحى أو موتى، مخضبين بالدماء، وأشلاء أجسادهم متناثرة، استدعت ذوي الموتى والجرحى، مناشدة المواطنين، بالكف عن تداولها ونشرها، لما فيها من انتهاك لحرمة الإنسان، وتعدي على مشاعر الأهل، الذين وقعوا بين سندان الحزن على فقدان ذويهم، ومطرقة مصارعة ترويج هذه المقاطع سواء كانت متحركة (فيديو) أو ثابتة (صور).
التصوير بحد ذاته ليس فيه بأس
وحول رأي الشرع في هذه الظاهرة، يقول الشيخ سامي جبارة، إمام وخطيب مسجد “صلاح الدين الأيوبي”، ورئيس مجلس أئمة الطيبة، لـ “الطيبة نت”، إن التصوير بحد ذاته ليس فيه بأس، بل إن التصوير يمكن أن ينقذ أشخاص، تعرضوا لمخالفات ظاملة، أو اتهموا بجرائم ظلما.
أوضح جبارة أن آلية التصوير، ربما تنقذ بعض الناس من مخالفات السير، على سبيل المثال، او اثبات البراءة من جريمة او ظلم يقع على الانسان.
التصوير في خصوصيات الناس امر لا يجوز شرعا ولا عرفا
وحول ظاهرة التصوير العشوائي وانتهاك خصوصية الغير ، وتصوير ضحايا حوادث الطرق والقتل، وانتهاك حرمة الموتى والانسان والجسد، قال إن التصوير في خصوصيات الناس اقتحام حرماتهم فهذا امر لا يجوز شرعا ولا عرفا.
لا تقبله النفوس السليمة!
واكد أن التصوير في الأماكن العامة، وفي المناسبات الإجتماعية، والحفلات الخاصة، كالاعراس مثلا وخاصة، وما يتناقل الناس من صور لبعض النساء على هيئة غير لائقة، دون عملها، او تصوير بعض المناظر المؤلمة للعين والقلب كتصوير ضحايا القتل او ضحايا السير فهذا ما لا تقبله النفوس السليمة.
أصبحت الخصوصية مهددة
أما الالإعلامية الزميلة، سميرة حاج يحيى، قالت إن اهتمام جمهور رواد صفحات الفيسبوك او مواقع التواصل الاجتماعي يستحوذ مؤخرا ، التصوير العشوائي على اختلافه في حدث ما، ونظرا لتزايد تفاعل جمهور المتصفحين مع تلك المواقع ،إذ أصبحت الخصوصية مهددة، حيث تنشر صور وفيديوهات من كل حدب وصوب دون مراعاة شعور الاشخاص او حقهم بالخصوصية، وبات جمع الإعجابات اهم من الضرر الذي يقع على الضحية المستهدفة، اي الذي تم تصويره، في حدث ما، واصبحت منصة تسويقية، الفائز فيها بالنشر اولا.
الانتهاك والتعدي لم يقتصر على التصوير
ولفتت إلى أن الانتهاك والتعدي لم يقتصر على التصوير فقط، وانما الكتابة باخبار مغلوطة وغير حقيقية ، والتعامل معها، وكانها وسائل الإعلامرسمية، تسارع بنشر حدث إخباري دون اخذ بعين الاعتبار تأثيراته السلبية، ودون السعي إلى حماية الخصوصية الحق الاساسي.
وقالت لموقع “الطيبة نت”، إن ” الامثلة كثيرة على ذلك، شوهد احد المصابين بحادث عمل في ورشة بناء واخر يقوم بتصويره في مشاهد فيديوهات تقشعر لها الابدان، ويتم تناقل المشهد المؤلم المرعب بسرعة البرق بين مئات الاف الجماهير في لمسة شاشة الهاتف، هذا المشهد يتكرر يوميا”.
لفت الجمهور الى هذا الخندق الكاذب!
وتابعت حاج يحيى” كذلك الاخبار الكاذبة، لاستقطاب متصفحين اكثر ولفت الجمهور الى هذا الخندق الكاذب، ناهيك عن عبارات القذف والتشهير بالاخرين ومس الحقوقية الشخصية ، ولذا تكدست ملفات شكاوى القذف والتشهير، لافتة إلى ان القنانون في هذا الشأن، ينطبق على وسائل الاعلام كما على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفق معايير واخلاقيات
ونهوت أن على الجمهور، ان يعي المصادر الموثوقة للصحفي او لوسيلة الاعلام للتيقن من الاخبار الكاذبة ، ومشاهد الصور في حادث ما، يتّسِم بالمهنية والنزاهة ، ووفق معايير واخلاقيات المهنة .
بنوده لا تلبي احتياجات اليوم!
وأوضحت أنه وفقا لقانون الخصوصية المتعارف عليه دوليا، والذي يطلق عليه قانون حماية الخصوصية الذي وضع قبل نحو 40 عاما، لم يتم التعديل او التطرق اليه وفق التطور التكنولوجي، وبنوده لا تلبي احتياجات اليوم، فيما يعرّف قانون منع القذف والتشهير 1965 القذف والتشهير ويحظر القيام بأي منهما، ويحدد القانون أيضًا الحالات التي يجوز فيها نشر تفاصيل قد يتم اعتبارها بمثابة قذف وتشهير.
ومن جانبه قال الشيخ جواد مصاروة، إمام وخطيب مسجد خالد بن الوليد، في حديث له لموقع “الطيبة نت”، لا شك ان الاسلام ديننا الحنيف قد راعى خصوصيات الفرد المسلم وحفظ له ذلك وجعل من حق المسلم على المسلم ان يحفظه ولا يخذله ولا يتجسس عليه ولا يفضحه ،بل امرنا ان نحب للناس من الخير ما نحبه لانفسنا ونكره لهم ما نكرهه لنا فلا يصح إيماننا ولا يكتمل الا بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”.
عقوبة دنيوية
مضيفا ” بل منع من تتبع اسرار الناس وفضح خصوصياتهم وعوراتهم وجعل عقوبة دنيوية لذلك قبل الاخروية فقال صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته))”.
ان يراعوا حقوق غيرهم ولا يتعدوا عليها!
وقال” لا شك انه في ظل مواقع التواصل الاجتماعي اصبح الناس يتسابقون في عرض اخبار غيرهم حتى يحصدوا التعليقات والاعجابات دون ان يراعوا حيا او ميتا حزنا او فرحا عيبا او محرما ، لذلك نهيب باخوتنا المسلمين ان يراعوا حقوق غيرهم ولا يتعدوا عليها بالتصوير والنشر فربما زادوا بها جرحا مفتوحا الما وتقرحا ،وربما فضحوا امرا كان لا بد من ستره وكتمانه ،ولربما اضاعوا حقوقا لأصحابها ،ولربما اذووا مشاعر غيرهم وروَّعوا بها نفوسا لا تقوى على رؤياها او سماعها .
موقفون أمام الله مسؤولون عما نشروا وشاركوا في صفحاتهم
وخلص بالقول” فليتقوا الله في انفسهم وإخوانهم المسلمين وأهل بلدهم ، وليعلموا أنهم موقفون أمام الله مسؤولون عما نشروا وشاركوا في صفحاتهم ومواقع التواصل الإجتماعي، فليراعوا حرمات غيرهم حتى ترعى حرماتهم وتحفظ “.