نحن اقلية قومية ولا يمكننا المطالبة بشبكة للمجاري في قريتنا والسكوت على احتلال شعبنا… علينا الكف عن الرقص على الحان هذه الدعاية الإسرائيلية
مخطئ من يعتقد ان على النائب العربي الاهتمام بقضايا المجاري في بلدته وترك قضايا اللاجئين الفلسطينيين…مخطئ من يظن ان على نائبنا الاعتناء بشوارع بلده وترك الاحتلال الإسرائيلي قائما بالصوت والصورة… مخطئ من يعتقد ان على عضو الكنيست العربي الاهتمام بالخدمات اليومية والتخلي عن القضايا القومية…
تحاول إسرائيل منذ سنين عزل نشاطنا السياسي عن قضايانا القومية وحصر تطلعاتنا في البحث عن الخدمات المدنية وكأننا مجموعة من المواطنين يشكون قلة المياه او الحفر في الطرقات… وليس سرا أن إسرائيل بكل أذرعتها الاعلامية والسياسية سعت وتسعى الى بث الشقاق بين نوابنا وبين جمهور ناخبيهم من خلال التأكيد المتكرر على ان اعضاء الكنيست العرب لا يعالجون قضايا ناخبيهم وانما يعتنون بقضايا أبناء المخيمات في لبنان او في سوريا أولا.
هذه هي الفتنة التي نجحت إسرائيل بغرسها بين الجمهور العربي المحلي ونوابه في الكنيست لدرجة بات النائب يشعر فيها بالحرج وبكثير من العيب لو تحرك او تفوه بأي عبارة لها وقع قومي او وطني. وصار الجمهور تحت وطأة الاعلام العبري، على قناعة بأن النائب “حقا يحيد عن الهدف الذي أرسل لأجله الى الكنيست”.
والأدهى من كل ذلك، انه لو افترضنا ضحالة الوعي السياسي لدى بعض العامة وترديدهم بقوة لهذه الاتهامات، فإننا وللأسف بتنا نرى ان النواب أنفسهم يتخذون موقف الدفاع عن النفس امام هذه الاتهامات وكأنهم اقتنعوا بصحتها وان عليهم تبرير نشاطاتهم وان يقسموا على الدوام اغلظ الأيْمان بأنهم لا يتعاملون مع القضايا ذات البعد القومي وانهم أصبحوا مهذبين سياسيا وان القمامة في شوارعنا باتت همهم الأول.
لا أفظع من نائب عربي يقف على رؤوس أصابعه في الاستوديو العبري ليقسم بأن 95% من نشاطاته هي لمصلحة ناخبيه وليست نشاطات ذات طابع قومي، وذلك بمجرد ان يطرح عليه المحاور السؤال الروتيني: “لماذا تعالج قضايا الفلسطينيين في الضفة الغربية ولا تعالج قضايا ناخبيك؟”، سؤال كهذا يحشد الناخبين ضد النائب وكأنه يدافع عن مصالحهم امام “النائب المحتال الذي اقتنص اصواتهم ووظفها للدفاع عن الفلسطيني في نابلس”… هنا يبدأ النائب يتصبب عرقا ويتوسل الصحفي الببغاء ليمنحه “صك الغفران”، لئلا يظن أحد المشاهدين العرب، انه يهمل قريته لصالح مخيم للاجئين.
سادتي المحرمين… انكم ترقصون على نغمات الدعاية الإسرائيلية التي نجحت أخيرا في إضفاء شعور الذنب على النائب قبل شعور الظلم على المواطن العربي. فقد البست الماكينة الإعلامية والسياسية الإسرائيلية المواطن العربي برداء المظلوم جراء عدم اكتراث النائب العربي بقضاياه اليومية والانشغال بما يجري في غزة.
وفي ذات الوقت، انحنى النائب العربي امام هذا الضغط وبات يخجل امام ناخبيه بأنه يبدي دعما لشعبه او احتجاجا على صلافة المحتل في الأراضي الفلسطينية. وبهذا تمكنت اسرائيل من ابعاد الصوت القومي العربي عن منبر الكنيست وابقت الصوت المستجدي لخدمات المواصلات او الميزانيات، بعد ان كان يفضح ولو قليلا التعسف الاسرائيلي في المناطق المحتلة، قلصت حجمه السياسي حتى بات شبيها برئيس مجلس محلي همه الأول انارة الشوارع طلاء جدران روضة الاطفال.
سادتي المحترمين…ان عدم تعبيد الشارع في قريتكم هو لكونكم جزءاً من الشعب الفلسطيني…وان عدم وجود شبكة مجاري في بلدتكم لأنكم عرب فلسطينيون…وان التمييز العنصري الواقع عليكم ليس لسواد بشرتكم وانما لانتمائكم للشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال… ان كل ما نتعرض له من معاملة يومية او استراتيجية او حتى خدماتية انما هو امتداد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، واكاد اجزم ان 80% من معاناتنا تعود أسبابها الى البعد الوطني القومي، ولهذا فإن الغالبية العظمى من قضايانا نابعة من التمييز العنصري ولا بد ستجد حلا لها بمجرد حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
من هنا فإن المطالبة بحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبارة عن مطالبة بتحقيق كافة حقوقنا المدنية والقومية. وعلينا ألاّ نرقص على ألحان الدعاية الإسرائيلية من السياسيين الى الإعلاميين… ومن بائعي الخضار حتى سائقي سيارات الأجرة الذين يحاولون جميعا خلق البلبلة في إدراك المواطن العربي العادي ودفعه الى مواجهة نوابه في محاولة لإبعادهم عن مسلكهم القومي الوطني السليم والتعامل مع صغائر الأمور من خدمات يومية، يفترض ان تكون بالأساس محور اهتمام المجلس المحلي او البلدية وليست من مهام النائب البرلماني أصلا.