يروي لنا القصص القرآني قصة ابني آدم عليه السلام ، تلك القصة التي جرت وقائعها مع بداية الوجود الإنساني على الأرض. وهي تحكي بداية الصراع بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، وأن الناس في كل زمان ومكان، منهم أهل التقى والهدى والصلاح ، ومنهم من أهل الفساد والفسوق والعصيان. وهابيل يمثل الأطياب الأخيار الأبرار ، وقابيل يمثل الضالين الأشرار الفجار ، قال الله تعالى: “إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا”.
كتبه الشيخ أبو عكرمة الطيباوي
وقوله تعالى في كتابه المجيد : ” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ….. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ “. كان آدم عليه السلام – يزوِّج ذكر كل بطن بأنثى البطن الأخرى ، وهابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل ، ذات الحسن والجمال، ولكن قابيل أراد أن يستأثر بها لنفسه، وتدخل الوالد آدم عليه السلام- وأمر قابيل أن يزوج أخاه هابيل إياها ، لكنه رفض وأبى. وأمرهما آدم عليه السلام- أن يقربا قربانًا، وكانت القرابين حينئذٍ إذا قُبلت، نزلت نار من السماء فحرقتها وأكلتها، وإذا لم تقبل لم تنزل نار لأكلها. كان قابيل صاحب زرع فقرب حزمة من أردىء وأسوأ زرعه، وكأنه أقنع نفسه : ” لا أبالى أيقبل الله مني أم لا ، لن يتزوج هابيل أختي أبدًا “!. وكان هابيل راعيًا صاحب ماشية، قوي الجسم وموفور العقل والحكمة وآثر مرضاة الله تعالى، فقرب كبشًا سمينًا من خيار ماشيته، محتسبا الرضا والتسليم لأمر الله تعالى : ” لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون َ”. وضع الأخوان قربانيهما على الجبل ، فنزلت نار من السماء فأكلت الكبش الذي قدمه هابيل، ولم تأكل من قربان قابيل حبة… فتقبل الله صدقة هابيل، لتقواه وصدقه وإخلاصه، ولم يتقبل صدقة قابيل لسوء نيته، وعدم تقواه : ” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” . فغضب قابيل لأن الله تعالى رد َّقربانه، وظهر فيه الحسد والبغي ، وزين له الشيطان عمله، فقال :” لأقتلنك” ، ثم انساق مع هوى نفسه، وزينت له نفسه الإقدام على تلك الفعلة الشنعاء، فارتكب جريمته النكراء ، فقتل أخاه حسداً وظلما ً، فخسر دنياه لأنه قتل أخاه أقرب الناس إليه رحماً، وخسر أخرته لأنه ارتكب جريمة فظيعة .قال الله تعالى : ” فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.
وجاء رد هابيل الأخ الناصح العاقل، على أخيه ردا فيه وعظ ونصح وإرشاد ، فقال لأخيه: “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين”. وكأن لسان حاله يعبر ،الخائف من الله لا يقدم على الذنوب، خصوصا الذنوب الكبار كالقتل، وليس خوفا وجبنا منك، وانما أنا اتقي الله وأخافه. كما وحذره من سوء المصير ،إن هو أقبل على تنفيذ فعلته السوداء :( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ) . وأما قابيل القاتل الظالم لم يكتف بفعل تلك الجريمة البشعة، بل ترك أخاه ملقى في العراء ،وهذا دليل على قساوة قلبه، وشنيع فعله، ولكن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده الصالحين ، فهو يرعاهم بعنايته وحمايته، فبعث غراباً يحفر في الأرض حفرة ،ليدفن فيها غرابا ميتا. وليدل قابيل كيف يدفن جثمان أخيه القتيل ؟،فلما رأى قابيل ذلك المشهد، تحركت فيه عواطف الإنسانية ، وأخذ يلوم ويعاتب نفسه على ما أقدم عليه، وكيف هو يعجز عن ستر جثة أخيه، وتعلم من هذا الغراب الضعيف ، ولكنه أهدى منه سبيلا ً!. وكثيرا ما يحدث أن المعصية يعقبها الحسرة والندم والمرارة التي تكون في نفس العاصي بعد ارتكابه لجريمة؟! . وندم قابيل ندماً شديداً، على ما وقع منه وقتل هابيل.قال الله تعالى:” فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ” سورة المائدة. والى قيام الساعة يتحمل قابيل أوزارًا مع وزره: لقول النبي ﷺ : ( لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ) متفق عليه. يارب احفظنا بحفظك، واحرسنا بعينك التي لا تنام، يا الله ادفع عنا شر الأشرار ، و كيد الفجار .