كي نجرب غير المجرب في مكافحة العنف
إضراب القيادات عن الطعام مجد اكثر من اضراب الطلاب عن التعليم.
كتبه وديع عواودة
لا يعقل أن تزداد أعداد المجتمع العربي الفلسطيني منذ نكبة 1948 بعشرة أضعاف وينتقل من مجتمع فلاحي لـ برجوازي بكل تبعات هذه التحولات العميقة المترافقة مع سيرورة أسرلة وتشويه للهوية دون أن تتكاثر أيضا الجريمة بمختلف أنواعها ودوافعها.
لكن ما يشهده المجتمع العربي من تغول الجريمة منذ هبة القدس والأقصى عام 2000 (وفقا لمعطيات رسمية ترتبط بالقتل وبالإصابات جراء السلاح) يؤكد بوضوح (طبقا لقرائن كثيرة) الدور الجوهري لسياسة ” فخار يكسر بعضه ” المعتمدة من قبل الحكومات الإسرائيلية.
دون تغيير الشرطة الإسرائيلية سياساتها من هذه الناحية وبلورة خطة حقيقية لردع الجريمة وكسر شوكة المجرمين ولم السلاح( كما أكد تقرير مراقب الدولة الذي تعرض لشطب وزير الأمن الداخلي أردان 500 مليون شيكل رصدت لمكافحة العنف في الشارع العربي) فإن افتتاح محطات شرطة داخل البلدات العربية لن تكون سوى ورقة تين للتستر على فضيحتها. في حديث معه كشف الناطق بلسان الشرطة الفلسطينية العميد لؤي رزيقات اليوم كيف أدى دورها الفعال لخفض جرائم القتل في الضفة الغربية في العقد الأخير بشكل كبير جدا. ويشهد أهالي الضفة الغربية الذين يعدون نحو مليوني نسمة 15 جريمة قتل سنويا بالمعدل وفق معطيات الشرطة الفلسطينية فيما بلغ عدد ضحايا القتل لدينا منذ بدء العام 70 قتيلا ونحن أقل عددا وننتمي لذات الشعب الفلسطيني.
تسرق الروح منا
يشكّل استشراء جرائم القتل وسيولة السلاح في وضح النهار خطرا استراتيجيا على المجتمع العربي كله لأنها تسلبه الروح المولدة للطاقات والأحلام والمحركات الدافعة للعمل الجماعي خاصة مع تثبيت الوصمة وهيمنة الصورة المذكورة في الوعي. ثمة قناعة لدى كل المتابعين بأن عمليات توصيف الحالة واللطم بالفيسبوك وبيانات الاستنكار وغيرها من ردات الفعل الانفعالية لن توقف الجريمة والعنف. إن مكافحة الظاهرة المتجذرة لأسباب عميقة ومتنوعة هي مسيرة متواصلة، ومجتمعنا المعطاء الذي يحقق إنجازات حقيقية في مجالات كثيرة وغني بالشباب والكفاءات قادر على خوض هذه المواجهة لحماية أمنه وأمانه وروحه ومناعته الذاتية ورأس ماله المعنوي. هذا يتم من خلال مشروع حقيقي يتجاوز الأدوات غير المجدية المعتمدة حتى اليوم : تأسيس هيئة وطنية عليا تكفل ميزانيتها بالتبرعات والصدقات وتعمل أولا لدفع الحكومة لتغيير سياسة ” بطيخ يكسر بعضه “. حتى الآن لم تكترث الحكومة/ الشرطة لهذا المطلب لأن أدوات الضغط غير ضاغطة فعلا. الإضرابات داخل البلدات العربية نوع من العقاب الذاتي العقيم ولذا لابد من نقل الاحتجاجات لأمام مكاتب الحكومة والكنيست ومحاصرة مقر قيادة الشرطة وتجنيد الإعلام العبري والأجنبي لفضح القصور الرسمي المتعمد من قبل دولة لا تريد حماية مواطنين فيها. يستدعي بناء ماكنة ضغط فاعلة إقامة لجنة شعبية في كل بلدة عربية للمساهمة في تنظيم وحشد وتنفيذ عمليات الاحتجاج القطرية.
حملات غير مجدية
منذ بداية تسونامي العنف والجريمة عام 2000 أطلقت جهات عربية متنوعة حملات ضد هذا الغول لكنها بقيت فردية وطوباوية تعوزها الخطة مما أبقاها حبرا على ورق. الحركة الإسلامية الشمالية بادرت قبل عشر سنوات لحملة ” البيت الامن ” وجددتها شقيقتها الجنوبية في العام الماضي وبالتزامن بادر الأستاذ أسعد غانم لمشروع مشابه تحت مظلة المتابعة العليا. ثم أعلن النائبان أيمن عودة ومنصور عباس قبل أشهر نيتهما تبني هذا المشروع على رأس الأولويات. مثل هذا المشروع ثقيل ولا مناص من التعاون والعمل الجامع والمدروس للسياسيين والناشطين والمهنيين كي نقوى على حمله ونتقدم فيه تدريجيا. بالتفاصيل يتوقع من القيادات السياسية والأهلية تحت مظلة المتابعة الإعلان عن حالة طوارئ تستجيب للتحدي الكبير المتفاقم، قيادة الاحتجاجات وإشراك فعاليات الشباب في تخطيطها وتنفيذها. على أن تتم هذه في مركز البلاد والإعلان عن خيمة كبيرة مقابل الكنيست أو مكتب رئاسة الحكومة ترفع في محيطها صور 1200 لضحايا الجرائم منذ 2000 ، تستقطب مظاهرات – صرخات غضب متتالية تتناوب على زيارتها يوميا بلدة عربية واحدة وسط عمل لتجنيد متضامنين يهود وتذكير بأن هذا العنف سيطالهم هم يوما ما. كذلك خوض قياداتنا معركة إضراب عن الطعام بدلا من إضراب المدارس العربية وعقد مؤتمر صحفي للإعلامين العبري والأجنبي أيضا والتفكير بإرسال بعثة للأمم المتحدة لاحقا. طبعا هنا نتحدث عن المدى القصير والمتوسط لا المدى بعيد للمدى المرتبط بتعميق التربية للتسامح ونبذ العنف وتعزيز الهوية الوطنية وهذا دور لجنة متابعة التعليم العربي وغيرها. المناخ الراهن مناسب للتصعيد على خلفية تصاعد حمام الدم ونجاح المشتركة وغيره فهل نستغله ؟