مطالبة الشرطة لنا بالتعاون ينم عن جهل بمزايا مجتمعنا في أحسن الحالات، او انها محاولة خبيثة من قبل الشرطة لتأجيج النزاعات الدموية بيننا
كلما رفعنا مطلبنا العادل بأن من حقنا العيش بأمان وسلام في قرانا ومدننا وان على الشرطة التصدي للمجرمين واقتلاع الجريمة وتجفيف منابع السلاح الجنائي كما جففت منابع السلاح الأمني في مجتمعنا، فإنهم يجيبوننا على الفور بعبارات مهترئة نعرفها جميعا، يدفعوننا الى خانة الدفاع عن النفس في محاولة القاء اللائمة والمسؤولية برمتها على كاهلنا لنتحول وبسرعة من ضحايا الى جناة لعدم “تعاوننا مع السلطات المسؤولة عن محاربة الجريمة”.
انهم يدفعوننا باستمرار نحو الشعور بالحرج في البحث المتواصل عن مبررات ومسوغات وتفاسير مناسبة، بمجرد القاء هذا المأخذ في وجهنا سواء على شكل سؤال صحفي او ادعاء في تصريح سياسي!
نعم نحن لا نتعاون مع الشرطة ولن نتعاون معها لعدة أسباب وليقبلها أو يرفضها كل منا على طريقته. وآن الأوان لنخرج من هذه الخانة التي يزجوننا بها، خانة اللا تعاون واللا تعليل.
لنترك جانبا التعاون مع الشرطة في القضايا الأمنية، إذ أن هذا امر محسوم ولا جدال حوله، والمتعاون في هذا المجال مصنف منذ البداية على انه عميل ولم ولن يطرأ أي تغيير على مكانته. أما التعاون في القضايا الجنائية، فهو امر مختلف، أمر مركب يحتوي على تعقيدات مصيرية.
نعم قد أشهد جريمة قتل بأم عيني في وضح النهار، وقد أرى وجه المجرم الوقح غير المقنع، بل قد يلاحظ هو وجودي دون ان يكترث، فإن الأمر الأكيد في هذه الجريمة انني لن أدلي بما شاهدت للشرطة. ويقصد بالضمير المنفصل “انا” أي منا ولست انا شخصيا.
ان تتوجه الى الشرطة وتبلغ عن فلان بأنه هو من ارتكب جريمة القتل، ذلك يعني أن تتحول من شاهد صدفة الى طرف متورط في نزاع دموي خلال لحظات.
فبمجرد ان تتصل الى الشرطة او ان تبلغ المحققين في ميدان الجريمة بما لديك من معلومات، فإنك تصبح برمشة عين الهدف القادم، الذي يجب التخلص منه. ويشرع ذات المجرم او أي من طرفه بإعداد رصاصتك. وكم من شاهد تورط في نزاعات كهذه في السابق ودفع حياته ثمنا لسذاجته.
بعبارة أخرى، لا أحد في مجتمعنا القبلي على استعداد للكشف عن المجرم حتى لو شهد الجريمة بأم عينه. لا أحد على استعداد لجر عائلته وحمولته الى نزاع دموي باسم “الوعي الاجتماعي” الذي تعزف عليه الشرطة بخبث، لا أحد على استعداد ان يخسر حياته وامان عائلته من اجل تسهيل عمل محقق الشرطة الكسول الجالس في مكتبه المكيّف بمقر الشرطة.
والأدهى من ذلك كله، فالشرطة لن تكتفي بمعلومات قدمها لها شاهد “نكرة” على ان تواصل هي التحقيق للعثور على الأدلة بنفسها، وانما تطالب الشاهد على الجريمة بالوقوف امام القاضي ليشير بالبنان نحو المجرم، وذلك إذا أمد الله بعمر هذا الشاهد وبلغ موعد الادلاء بشهادته امام المحكمة.
الشرطة على علم بكل هذه التعقيدات التي يتميز بها مجتمعنا القبلي الذي يعرف الثأر أكثر من المغفرة، ولا يهدأ له بال طالما بقي مديونا بدم عزيز عليه. وإذا كانت الشرطة الإسرائيلية تتظاهر بعدم معرفتها لهذه الحقيقة فإنها بذلك تقول لنا وبكل وضوح: “عليكم التعايش مع الجريمة كعقاب لكم على عدم تعاونكم معنا”.
خلاصة القول انه ما من شيء في هذه الحياة يستحق ان تخوض لأجله نزاعا عائليا دمويا مهما كانت أهميته، واقل ما يمكنك التضحية بسلامتك لأجله، هو راحة محقق الشرطة الكسول الذي وجد لتقصيره مبررا وترك الجريمة تنتشر والسلاح يتغلغل الى ان تصبح حياتنا جحيما لربما نبحث عندها لأنفسنا عن مكان آخر للعيش.
إنني إذ أقول هذا، فحسبي ان الشرطة اثبتت قدرتها على الوصول الى المجرم بدون تعاوننا معها، شرط ان تكون الجريمة قد طالت يهوديا. حسبي ان الشرطة تمكنت من الوصول الى كل رصاصة في مجتمعنا بعد التحقق من انها موجهة ضد أمن الدولة.
أرى ان الشرطة قديرة على إيجاد سبل التصدي للجريمة في مجتمعنا تماما كما فعلت ذلك في المجتمع اليهودي ولكنها باعتقادي غير معنية لأنها ترى بهذا التسيّب وسيلة ضغط علينا لدفعنا نحو الانخراط في التهادن، أي العمالة المكشوفة باسم الأمن الاجتماعي.