سيناريوهات عصيبة: “إسرائيل” تتخوف من حرب شاملة
في ظل الانشغال الداخلي في “إسرائيل” بتشكيل الحكومة، بدأت وسائل الإعلام تحذر من الحرب الشاملة مع إيران وحلفائها في المنطقة، وتركز على تداعيات هذه الحرب على “إسرائيل”.
كتب يعقوب كاتس، في موقع “جيروزاليم بوست” الإسرائيلي، متسائلاً عن سبب التزام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، الصمت حيال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين حذّروا بشدة من احتمال نشوب حرب شاملة مع إيران، مشيراً بذلك إلى تصريح قائد شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي اللواء أهارون حاليفا، الذي أكد أن “كل الدلائل تشير إلى أن العام القادم قد يكون سلبياً من المنظور الأمني”، وتخوّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من “الأخطار” الإيرانية وقدرتها على حصار وتدمير “إسرائيل”.
قد تكون هذه التحذيرات سياسية برأي كاتس، كأن تكون تصريحات قائد شعبة العمليات في إطار مساعي الجيش الإسرائيلي للحصول على ميزانية أكبر من الحكومة، أو جزءاً من الضغوطات التي يمارسها نتنياهو على حزب “أزرق أبيض” للدخول في حكومة وحدة تخدم مصالحه. ولهذا طالب كاتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، بالتدخل لإبلاغ الإسرائيليين بحقيقة ما يحدث وتوضيح ما إذا كانت هذه التحذيرات صائبة وواقعية.
وكانت تحذيرات المسؤولين الإسرائيليين قد بلغت ذروتها في المقال الذي نشره السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، مايكل أورن، في مجلة “ذا أتلانتيك”، والذي استعرض فيه سيناريوهات سيئة ومخيّبة لـ”إسرائيل” في حال اندلاع حرب شاملة مع إيران.
يكشف أورن، في مستهل مقاله، أن وزراء كبار في الحكومة الإسرائيلية اجتمعوا وناقشوا، قبل أيام، إمكانية نشوب حرب مفتوحة مع إيران، واستعرضوا ما اعتبروه هجوماً إيرانياً بالطائرات المسيّرة وصواريخ الكروز على منشأتين نفطيتين سعوديتين، فيما خلصت التقارير إلى أن إيران قد تشن هجوماً مماثلاً على “إسرائيل” انطلاقاً من العراق.
يبني كاتس سيناريو الحرب المقبلة انطلاقاً من تقديرٍ إسرائيليٍ خاطئٍ يدفعها لضرب أهداف إيرانية حساسة، ما سيستدرج ضربات مضادة من جانب إيران باستخدام صواريخ كروز تخترق دفاعات “إسرائيل” الجوية لتضرب أهدافاً بوزن “الكريا” (مقر وزارة الأمن والأركان العامة الإسرائيلية) الذي يعادل “البنتاغون” الأميركي.
سترد “إسرائيل” بكثافة بقصف مقرات حزب الله في بيروت وعلى طول الحدود اللبنانية، يتابع كاتس. وبعد يوم من الرد الواسع النطاق بين الجانبين ستبدأ الحرب الحقيقية؛ الصواريخ المحملة بأطنان من مادة “تي ان تي” ستمطر “إسرائيل”، فيما ستضرب طائرات مسيّرة منشآت حيوية عسكرية ومدنية إسرائيلية. سينطلق 4 آلاف صاروخ يومياً باتجاه “إسرائيل” وهو رقم كبير مقارنةً بما حدث عام 2006، حيث بلغ معدل الصواريخ ما بين 200 إلى 300 صاروخ يومياً.
إذاً ستكون “إسرائيل” كلها، برأي كاتس، من مستعمرة المطلة في الشمال إلى إيلات في الجنوب في نطاق نيران إيران وحلفائها.
أما تخوّف كاتس الأكبر، فمصدره الصواريخ الإيرانية الدقيقة التي تشكل تهديداً أكثر فتكاً، وتتميز بقدرتها على تغيير وجهتها نحو هدف آخر في منتصف رحلتها.
ومن غير المؤكد إن كان نظام (David’s Sling) للدفاع الجوي الذي طورته “إسرائيل” بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، سيتمكن من اعتراض الصواريخ، لأن النظام لم يخضع لاختبار فعلي بعد. ومن شأن الصواريخ الاعتراضية أن تتسبب في حال نجاحها أو فشلها على السواء، باستنزاف “إسرائيل” اقتصادياً حيث يكلفُ كل صاروخ اعتراضي مليون دولار، هذا بالإضافة إلى ما ستتسبب به الصواريخ من شلل في حركة الملاحة الجوية والبحرية في حال سقطت الصواريخ بالقرب من مطار “بن غوريون” كما حصل خلال حرب 2014 مع “حماس” في غزة.
أما الموانئ الإسرائيلية التي تستورد “إسرائيل” عبرها نسبة كبيرة من موادها الأساسية قد تقفل أيضاً، فضلاً عن إمكانية قطع الشبكات الكهربائية.
يتابع كاتس في تصوره للسيناريو المتوقع، باحتمال أن تشن إيران هجوماً الكترونياً على المرافق الحيوية الإسرائيلية. أما المطاعم والفنادق فستكون فارغة إلى جانب مكاتب شركات التكنولوجيا والمستشفيات التي ستنتقل إلى منشآت تحت الأرض بعد امتلائها بالأبخرة السامة المتسربة من المصانع الكيميائية الحارقة ومصافي النفط.
ويؤكد الكاتب الإسرائيلي على أن “إسرائيل” سترد من خلال طائراتها ومدفعيتها وسيحشد الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من جنود الاحتياط المتمرسين خلال أقل من 24 ساعة، خصوصاً وأن عديده نظرياً، يتجاوز ضعف الجيشين الفرنسي والبريطاني مجتمعين. لكن إلى أين سيُرسل هؤلاء الجنود؟ سيتم إطلاق معظم الصواريخ من جنوب لبنان، وسيتم اطلاق الصواريخ من غزة حيث تمتلك “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ما لا يقل عن 10 آلاف صاروخ. وستصل الصواريخ بعيدة المدى بما في ذلك صاروخ “شهاب 3” إلى “إسرائيل” من سوريا والعراق واليمن وإيران.
وما سيشكل تحدياً كبيراً لسلاح الجو الإسرائيلي، في تلك المرحلة، عدم امتلاكه قاذفات إستراتيجية قادرة على الوصول إلى إيران وسيجد نفسه في صراع مع الأسلحة الروسية المتقدمة المضادة للطائرات في سوريا. ستضطر القوات البرية الإسرائيلية للإنتقال إلى لبنان وغزة من منزل إلى منزل، بينما سيتم إرسال قوات خاصة إلى عمق سوريا والعراق.
في غضون ذلك من المرجح أن ينظّم الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة احتجاجات عنيفة ستعمد “إسرائيل” لإخمادها بقسوة، ما يمهد لإدانتها في مجلس الأمن لاستخدامها القوة العشوائية. وبالتالي، فإن ما لا تستطيع إيران وحلفاؤها إنجازه في ساحة المعركة يمكنهم تحقيقه من خلال المقاطعة وعزل “إسرائيل” وخنقها.
الدعم الأميركي لا يتعدى إمدادات السلاح والتفاوض!
لكن السؤال الأهم الذي يطرحه كاتس في مقاله، هو سؤاله عن الرد الأميركي في حال كانت “إسرائيل” تحت تهديد يجعلها غير قابلة للبقاء: هل تتدخل الولايات المتحدة الأميركية؟ يبدأ كاتس بالإجابة من خلال تعداد أنواع الدعم التي كانت تتلقاه “إسرائيل” في أوضاع مشابهة:
1- الدعم بالذخيرة: كلما كانت “إسرائيل” تعاني من نقص في القنابل العنقودية، كانت الحكومة الأميركية تعمل على إعادة تزويد الجيش الإسرائيلي بهذا النوع من الذخائر، إما عن طريق النقل الجوي أو من متاجرها الموجودة داخل “إسرائيل”.
2- الدعم القانوني: طالما استخدمت أميركا حق النقض (الفيتو) لمنع إدانة “إسرائيل” في مجلس الأمن، وحمتها من تبعات لجان تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة ومن العقوبات التي تفرضها المحاكم الدولية.
3- الدعم بالتفاوض: دعمت الحكومة الأميركية “إسرائيل” دائماً من خلال التفاوض بشأن وقف إطلاق النار وسحب القوات وتبادل الأسرى ووضع أطر للسلام. بدأ هذا التقليد بعد “حرب الأيام الستة” عام 1967 واستمر إلى ما بعد دبلوماسية كوندليزا رايس في عام 2006.
أما ما يعوّل عليه كاتس والمسؤولون الإسرائيليون، في الحرب المقبلة، فدعم أكبر يساهم في حماية سماء “إسرائيل”. أما إذا ما كانت القوات الأميركية ستواصل الهجوم لصالح “إسرائيل” وضرب القواعد الإيرانية فإن ذلك لا يزال غير مؤكد، خاصة في الوقت الذي يشرع فيه ترامب وخصومه بحملة لإنهاء حروب الشرق الأوسط القديمة، لا التورط في حروب جديدة.