كتب في تأثير المعصية على الإنسان وعلى المكان بل وحتى على الزمان.
الإنسان :
في المسند : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ).
قال الفضيل بن عياض : إني لأعصى الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
قال أبو هريرة : إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم .
قال مجاهد : إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وامسك المطر ، وتقول : هذا بشؤم معصية ابن ادم .
وقال عكرمة : دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون : منعنا القطر بذنوب بني آدم .
وقال علي : ما نزل بلا إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة .
وقال الحسن البصري : ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وذكر عبدالله في كتاب الزهد لأبيه عن محمد بن سيرين : أنه لما ركبه الدين اغتم لذلك ، فقال : إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة .
وفي صيد الخاطر لأبن الجوزي : من تأمل المعاصي ، رآها قبيحة . ولقد تفكرت في أقوام اعرفهم ، يقرون بالزنى وغيره ، فأرى من تعثرهم في الدنيا مع جلادتهم ملا يقف عند حد ، وكأنهم قد البسوا ظلمة ، فالقلوب تنفر عنهم ، فإن اتسع شيء ، فأكثره من مال الغير ، وان ضاق بهم أمر ، اخذوا يتسخطون على القدر . هذا وقد شغلوا بهذه الأوساخ عن ذكر الآخرة .
ثم عكست ، فتفكرت في أقوام صابروا الهوى ، وتركوا ما لا يحل ، فمنهم من قد أينعت له ثمرات الدنيا ، من قوتٍ مستلذ ، ومهاد مستطاب ، وعيش لذيذ ، وجاهٍ عريض ، فإن ضاق بهم أمر ، وسعه الصبر ، وطيبه الرضى .
وقال ابن مسعود : لو تعلمون مني ما اعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب .
وقال سليمان التيمي : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته .
ودّع ابن عون رجلا فقال: عليك بتقوى الله, فان المتقى ليست عليه وحشة.
وقال زيد بن أسلم: كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وان كرهوا.
وقال الثوري لابن أبي ذئب: إن اتقيت الله كفاك الناس, وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا.
ونظر بعض العباد إلى صبي ن فتأمل محاسنه فأتى في منامه وقيل له : لتجدن غبها ولو بعد أربعين سنة . وقالوا إن رجل نظر إلى أمرد بشهوة فنسي القرآن .
وقال ابن القيم في الجواب الكافي : ما الذي أخرج إبليس من ملكوت السموات ، وبدل بالقرب بعدا ، وبالرحمة لعنة ، وبالجنة نارا تلظى . وما الذي انزل آدم من الجنة إلى الأرض بعد النعيم ورغد العيش إلى دار النكد والنصب.
ومن نتائج المعصية : قلّة التوفيق وفساد الرأي, وخفاء الحق, وفساد القلب, وخمول الذكر, وإضاعة الوقت, ونفرة الخلق, والوحشة بين العبد وبين ربّه, ومنع إجابة الدعاء, وقسوة القلب, ومحق البركة في الرزق والعمر, وحرمان العلم, ولباس الذل, واهانة العدو, وضيق الصدر, والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت, وطول الهم والغم, وضنك المعيشة, وكسف البال… تتولّد من المعصية والغفلة عن ذكر الله, كما يتولّد الزرع عن الماء, والإحراق عن النار وأضداد هذه تتولّد عن الطاعة.
المكان :
الديار التي حل بها الدمار وأورثها البوار.
التي أهلكت بالصيحة والخسف والطوفان والريح العقيم فتلك الديار لم يوجد لها اثر ولم يوجد بها رمس.
ما الذي اغرق أهل الأرض حتى علا الماء فوق رأس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم ، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ، وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها ، فأهلكهم جميعا ، ثم اتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على امة غيرهم ، ولإخوانهم أمثالها ، وما هي من الظالمين ببعيد ؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالضلل . فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظى ؟ وما الذي اغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق ، والأرواح للحرق ؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟ وما الذي اهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرها ؟ وما الذي اهلك قوم صالح بالصيحة ، حتى خمدوا عن آخرهم ؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي باس شديد ، فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال ، وسبوا الذراري والنساء ، واحرقوا الديار ونهبوا الأموال ، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا ؟ وما الذي سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات ، مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ، ومرة بمسخهم قردة وخنازير ، وآخر ذلك أُقسم الرب تبارك وتعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (167) سورة الأعراف
وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود ، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون ، ومن شرب مياههم ، ومن الاستسقاء من آبارهم ، حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الإبل ، لتأثير شؤم المعصية في الماء .
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (40) سورة العنكبوت
وَما كانَ اللّهُ لِـيَظْلِـمَهُمْ وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ يقول تعالـى ذكره: ولـم يكن الله لـيهلك هؤلاء الأمـم الذين أهلكهم بذنوب غيرهم, فـيظلـمَهم بإهلاكه إياهم بغير استـحقاق, بل إنـما أهلكهم بذنوبهم, وكفرهم بربهم, وجحودهم نعمه علـيهم, مع تتابع إحسانه علـيهم, وكثرة أياديه عندهم, ولكن كانوا أنفسهم يظلـمون بتصرّفهم فـي نعم ربهم, وتقلبهم فـي آلائه وعبـادتهم غيره, ومعصيتهم من أنعم علـيهم..
الزمان :
قال ابن القيم : اخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن ، وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها ، وإنما حدثت عن قرب .
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا أبتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا اخذوا بالسنين وشدة ألمؤنه وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فاخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما انزل الله إلا جعل الله باسهم بينهم ).2
وفي زوال دولة البرامكة سأل ولدٌ أباه وهم في السجن والقيود يا أبت بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال فقال يا بني دعوه مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها ثم أنشأ يقول :
رب قوم قد غدوا في نعمة * زمنا والدهر ريان غدق
سكت الدهر زمانا عنهم * ثم أبكاهم دما حين نطق