في عام 2007 تابع مشاهدون من كل البلاد العربية شابا مغربيا في الحادية والعشرين من عمره يغني على مسرح البرنامج الشهير “سوبر ستار”، وكان على بعد خطوات قليلة من الفوز باللقب. لم يفز حينها ابن مدينة سلا في المسابقة الغنائية، لكنه مع مرور الزمن فاز بقلوب كثيرين – كثيرين جدا في الواقع.
لمعت أسماء قليلين فقط ممن شاركوا في ذاك البرنامج، وكان المجرد واحدا منهم، وأصبح مغنيا معروفا ذا شعبية كبيرة ليس فقط في شمال إفريقيا، بل وصلت شهرته إلى دول المشرق والخليج التي قلّما احتفت بصوت مغاربي يغني بلهجتة المحلية – طبعا إن استثنينا مغنيي الراي الجزائريين كالشاب خالد والشاب فضيل، ومغني الروك رشيد طه.
قرابة الـ 10 ملايين شخص يتابعون سعد المجرد اليوم على موقع يوتيوب، والعدد ذاته تقريبا على تطبيق إنستغرام.
لكن شهرته التي حققها بفضل أغانيه – ومظهره – شابها لغط كبير بسبب تهم اعتداء واغتصاب وجهت له، كان آخرها ما صدر يوم 21 يناير/كانون الثاني عن محكمة الاستئناف الفرنسية التي ألغت كل القرارات السابقة في قضية انتهاكات جنسية بحق شابة فرنسية عام 2016 يتهم لمجرد بارتكابها، وقررت إعادة المحاكمة، وفقا لصحيفة “لوباريزيان” الفرنسية.
لكن هذه المرة لم يهتم الإعلام المغربي كثيرا بتغطية الخبر كما جرت العادة.
تقول خلود قبالي،التي تعمل في مجال الإعلام في المغرب : “أعتقد أن الإعلام المغربي أصبح معتادا على خبر توجيه تهم لسعد المجرد ثم خروجه منها. منابر قليلة جدا كتبت عن هذا الخبر، في حين كان هناك في السابق تعمق أكثر في الموضوع، واتصال بالمحامين لمتابعة تفاصيل القضية”.
كما تضيف أن الصحفيين “انشغلوا في الأيام الماضية بقضية اختطاف مراهقة واغتصابها من قبل مجموعة شباب، وقضية أخرى تتعلق بالقبض على صحفي مغربي”.
شهرة خيالية
ازداد نجم المغني الشاب سطوعا مع كل أغنية كان يصدرها، وبالتوازي مع ذلك كانت تخرج إلى الضوء قصص نساء زعمن أن لمجرد، الذي يبلغ اليوم 34 عاما، اعتدى عليهن جنسيا.
ألقي القبض على المجرد أول مرة للاشتباه في ضربه امرأة واغتصابها في نيويورك عام 2010، وبعدها بست سنوات، اتهم بالاعتداء الجنسي على شابة فرنسية تدعى لورا بريولا، ثم أُطلق سراحه بكفالة في أبريل/نيسان 2017 مع الإبقاء على سوار إلكتروني يلف ساقه في انتظار المحاكمة.
وفي خريف عام 2018 اتهم المغني المغربي من جديد باغتصاب فتاة على شواطئ الريفيرا، لكنه في تلك المرة فقد كثيرا من دعم من سانده خلال المشاكل السابقة، إذ انطلقت بعض الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل حملة #ماسكتش التي طالبت بوقف بث أغنياته.
ورغم ذلك حققت أغانيه، التي كانت تصدر وسط زوابع الاتهامات تلك، أرقام مشاهدة خيالية.
أغنية “لمعلم” التي أصدرها كفيديو كليب عام 2015، حصدت نحو 800 مليون مشاهدة على يوتيوب منذ ذلك الوقت؛ أغنية “غلطانة” لعام 2016 شوهدت أكثر من 250 مليون مرة؛ أما أغنية “إنساي” فحازت على أكثر من 200 مليون مشاهدة منذ صيف 2019؛ وأغنيته الأخيرة “سلام” (أكتوبر 2019) وصل عدد مشاهداتها إلى أكثر من 31 مليون مشاهدة.
علما أن بعض الأشخاص يرون أن المجرد يكرس في أغانيه صورة سلبية للمرأة وتقديمها كخاضعة للرجل.
عاد المجرد للغناء مؤخرا وغنى على مسرح في الرياض في ديسمبر 2019 حاملا العلمين المغربي والسعودي، وأحيى حفلة أخرى في دبي في شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام.
تقول خلود قبالي “هناك أكثر من الحب لسعد المجرد. هناك تقديس لشخصه. أسأل نفسي لماذا؟ ولا أعرف السبب”.
وتضيف أنها هوجمت بشدة في السابق عندما انتقدت على صفحتها على فيسبوك اعتصام مجموعة مغربيين عند السفارة الفرنسية للمطالبة بالإفراج عن المجرد.
وتوضّح أن دفاع محامي الملك عن سعد المجرد قد يكون قد أعطى مؤشرا للناس على أنه بريء، أو أنه سيخرج من السجن، مضيفة: “هناك إشاعات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع”.
وتقسم خلود الناس في المغرب لثلاث مجموعات: “هناك المتأكدون من أنه بريء وذلك من باب انصر أخاك ولو كان ظالما؛ وهناك مجموعة تنتظر نطق العدالة الفرنسية؛ وهناك مجموعة تؤمن بأن هناك مؤامرة ضد شخصه”.
ويسود اعتقاد لدى معجبي سعد المجرد بأنه يتعرض “لمؤامرة” من قبيل أنه صار مشهورا جدا في الدول العربية والأوروبية لذا تتدخل مجموعات لمنع مشاركته في حفلات عالمية كي لا تزيد شهرته، وهناك من يقول إن النساء اللاتي يتهمنه بالاعتداء الجنسي عليهن هن راغبات بالشهرة فقط من خلال استغلال شهرته.
ردود فعل على القرار الفرنسي الأخير
الملاحظ أن الخبر لم يلق اهتمام وسائل الإعلام المغربية سواء الناطقة بالعربية أو الفرنسية.
والمفارقة أن إحدى قنوات التلفزيون البارزة، والتي لم تهتم بالخبر، نشرت على صفحتها على فيسبوك فيديو لشاب يشبه سعد المجرد وهو يتحدث كيف دخل عالم الغناء بسبب ملامحه. كما نشرت في اليوم ذاته خبرا عاجلا عن حادث سير أدى إلى إصابة أحد أفراد الفرقة الغنائية أثناء تصوير سعد المجرد والفريق أغنية جديدة في مراكش.
وبينما غضّت وسائل الإعلام المغربية النظر عن قضية المغني الشهير المتهم بالاغتصاب في فرنسا، سلطت الأضواء على قضية شابة مغربية متهمة بإقامة علاقة جنسية مع محام متزوج، سجنا بسبب تهم الخيانة الزوجية والابتزاز.
وعادة ما تسلط وسائل الإعلام في المغرب الضوء على قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي والعنف ضد المرأة و غيرها من المسائل التي تمس النساء وحقوقهن في المملكة التي تفخر بالإجراءات التي تتخذها لمحاربة العنف ضد المرأة.
وكان المغرب قد أقر قانون محاربة العنف ضد المرأة في فبراير/شباط 2018، ويجرم هذا القانون عددا من أشكال العنف الأسري، مع توفير تدابير وقائية، ومراكز حماية للناجيات، لكنه يطالب الناجيات برفع دعوى قضائية للحصول على هذه الحماية.
وإن كانت وسائل الاعلام قد التزمت الصمت حيال هذه القضية، فإن محبي سعد المجرد – ومنتقديه أيضا – لم يصمتوا.
المصدر (BBC)