معاني كلمات القرآن الكريم (٩) – من تفسير بعض الايات من سورة الفرقان بواسطة محمد سليم أنقر مصاروة.
مَرَجَ: أرْسَلَ، خَلّى وكذلك ؛ خَلَطَ
الْبَحْرَيْنِ: كل جِسْمَي ماء كبيران؛محيطان ،محيط وبحر ، بحران، نهران ضخمان، بحر ونهر ضخم
عَذْبٌ: حُلو،غير مالح
فُرَاتٌ: شديد العذوبة
أُجَاجٌ: شديد الملوحة
بَرْزَخًا: حاجزًا، فاصلًا بين الشَّيْئَينِ
وَحِجْرًا مَحْجُورًا: وعزلًا معزولًا
تذكر الآية الكريمة أعلاه، وكذلك الاية من سورة الرحمن (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ )
ظاهرة طبيعية غير مألوفة في منطقة شِبه الجزيرة العربية، ومن المستبعد أنَّ يكون صلى الله عليه وسلم وأهل قريش قد رأوها عيانًا، هذه الظاهرة هي: عدم اختلاط كل من مياه بحرين أو نهرين او بحر ونهر فيهما اختلاف كبير بدرجة الملوحة.
وتبرز ذلك جليًا عند عند التقاء المحيطات او مثل انهر ضخمة في محيطات مثل ؛ مَصَب نهر ” فريزر ” بكندا في المحيط الهادئ، مَصَب نهر ” سالمون” بالولاية الامريكية ” اوريچون” في المحيط الهادئ ، مَصبات نهر ” الأمازون ” في المحيط الأطلسي
تذكر الآية الكريمة وجود حاجز ( برزخ ) في منطقة التَماس وان الحاجز يُكَوِّن منقطة عازلة (حِجرًا محجورًا) بين البحرين المتباينين بدرجة الملوحة .
حيث تلتقي المياه العذبة مع المالحة تمتد المياه الأقل ملوحة الى الامام داخل المياه المالحه وفي الاسفل يحدث العكس، اذ تمتد المياه الاكثر ملوحة عبر المياه العذبة، وكلما إقْتَربَت من القاع كلما إمتدت أكثر فأكثر ، تطفو المياه العذبة فوق المالحة بسبب كثافتها المنخفضه ووزنها النوعي الأخف ، وبنظره جانبية تبدو المياه العذبة كأنها تركب فوق المياه المالحة من القاع وحتى السطح، مُتخذةً شكل مثلث مقلوب ( وتَد) ولذلك يُسمَّي ب” وتد مائي ” water wedge .
ينتج شكل الوتد بسبب حدوث توازن بالضغط الهيدرودينامي ( ضغط السائل المتحرك)، وهو ضغط مُوَجَّه من كل نوع من الماء نحو النوع الاخر، ويزداد الضغط مع ازدياد العمق ازداد العمق فيصل أقصاه حيث القاع ولذلك تتوغل هناك المياه المالحة أقصى ما يمكن.
بطبيعة الحال فان الحد الفاصل (البرزخ ) بين المائين مُتَحرك وخاضع لقوى المد والجزر، وللتيارات السفلية للماء.
يسمى التقاء النهر بالبحر ب “مَصَّب النهر” Estuary وهي منطقة انتقالية من النهر المحصور الى البحر المفتوح، فيها تتصاعد نسبة الملوحة من النهر بإتجاه البحر ، وتفصل منطقة مَصَبُّ النهر بين مياه النهر الخالصة وبين مياه البحر المختلفة ولذلك فهي بيئة عازلة (حجرًا محجورًا ) ذات مميزات تجعلها حيويةً ضمن سلسلة غذاء لأعداد ضخمة من الكائنات الحية وبضمنها الانسان.
في مصب النهر يُفَرغ النهر حمولته من الرواسب الطينيه الغنية بالمواد العضوية، والتي تقتات عليها الكائنات الدقيقه وتنمو فتصير بدورها غذاءً؛للمحار( الأصداف البحرية)،ولسرطانات البحر ( تقضي جزء من دورة حياتها في مصبات الانهار )، ولأنواع من الاسماك (مثل السلمون والرنجة). هذه الأسماك تُعَدُّ مصدرًا غذائيًا لمستويات أعلى في السلسلة الغذائية؛ كالاسماك الاكبر حجماً والطيور البحرية والبرية ( تتزود بالغذاء من مَصاب الانهار أثناء هجرتها ) والثدييات ( دببة، إنسان وكذا ). إضافة الى ذلك، يوفر مَصَب النهر بيئة مثالية لنمو العوالق النباتية ” فيتو بلانكتون” والتي تَضبُط عن طريق عملية التمثيل الضوئي،(الى جانب النباتات والأشجار) نسبة ثاني اكسيد الكربون والأوكسجين في الطبيعة.
وايضًا تحتضن بيئة مصب النهر يرقات لأنواع من الأسماك البحرية والتي تُشَكِّل %87 من اجمالي المأكولات البحرية في أمريكا.
لمصبات الانهار دور رئيسي في ضبط جودة المياه المسكوبه في البحار، إذ تنمو في قعرها وعلى ضفافها مملكة نباتية مميزة تقوم بتنقية وتفكيك( الى حد كبير ) السموم والملوثات المُفرَزة في مياه الانهار من نفايات الصناعة قبل سريانها الى البحر.
كانت مصبات الانهار وما زالت من أكثر النُظُم البيئية خصوبةً وحيوية لحياة البشر ويكفي ان نعلم ان 60 ٪ من سكان المعموره يقطنون في مدن منتشره على ضفاف مصبات الانهار .
كما رأيتم ان وجود منطقه فاصله بين المياه العذبه والمالحه ( حجراً محجورا) يؤثر إما بشكل مباشر أو غير مباشر على حياة وبقاء جميع انواع الكائنات الحية، لذا تنشط في الغرب حركات حماية البيئة الداعية الى وقف اتلاف بيئة مصاب الانهار والعمل على اصلاحها والحفاظ عليها كمحميات طبيعية.
من كَرَم الله وفضله أنَّه يُذَّكرنا عبر آيات القرآن الكريم، بجزيل نِعَمِه علينا وفضله ، عسى نشكره فيرحمنا
-الحمد لله بقدر ما خلق وأبدع –