نعمة الإخوّة
قبل الإسلام كان بين الأوس والخزرج حروبًا تطاولت لأكثر من مائة وعشرين سنة، وكانت الأحقاد بين القبيلتَيْن تتناقل من جيل إلى جيل ومن نسل إلى نسل، فقد كانوا يتقاتلون ليلهم ونهارهم وكانت الحروب فيما بينهم لا تهدأ، حتّى بعث الله تعالى رسوله محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخلوا في الإسلام وألّف الله بين قلوبهم فزالت تلك الأحقاد، وحلّ مكانها الصّلح والوئام، وأصبحوا بعد العداوة أخوة ببركة الدّين الجديد الإسلام، يقول تعالى: ﴿ … وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً … ﴾ [8] .
وكان في اليهود رجل يدعى شمّاس بن قيس، وهو شيخ عظيم الكفر شديد الطّعن على المسلمين، مرّ على نفر من الأوس والخزرج وكانوا معًا في مجلس، فلمّا رأى من ألفتهم ومحبّتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الّذي كان بينهم في الجاهليّة، إمتلأ غيظًا وحقدًا، ولم يستطع رؤية الألفة والمحبّة بينهم، فدعا شابًّا من اليهود أن يجلس بينهم ويذكّرهم بما كان بينهم من الحرب في يوم (بعاث) وما تقوّلوا فيه من الأشعار، ففعل، وتكلّم، وذكّرهم بما كان بينهم في أيّام الجاهليّة، فحرّك فيهم العصبيّة القبليّة، فتنازعوا وتواثبوا، حتّى جرح من كلّ قبيلة نفر، عندما وصل الخبر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، نهض مع جماعة من المهاجرين حتّى جاء مجلسهم، فلمّا رأوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هدأوا وندموا على ما صدر من فعلهم، وأدركوا أنّ نزاعهم من طباع الجاهليّة وكيد الشّيطان، لذلك وضعوا سيوفهم جانبًا وندموا على عملهم [9] فعانق بعضهم بعضًا ثمّ انصرفوا، فنزلت الآية الشّريفة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [10] .