يحتار الناخب العربيّ في سؤالين اثنين: الأوّل ـ هل أدلي بصوتي؟ والثاني ـ أي قائمة انتخابية جديرة بصوتي؟
السؤال الأول مطروح خاصة عند الناخبين المتعبين أو غير الواثقين بأن لصوتهم وزنًا يُذكر أو أولئك الذين لا يشتغلون بالشؤون العامة ولا تهمّهم “السياسة”. ويطرحه أيضا الخائبون من أداء أحزاب صوّتوا لها أو من مردود المشاركة أو من جدوى المشاركة في الانتخابات. أما السؤال الثاني فيسأله الناخب الذي تجاوز هذه المسائل وقرّر أن لصوته كبير الأثر على الوضع العام وأنه يُريد أن يشارك ولو بصوته في إعلان موقف من الحاصل حوله.
المشاركة في التصويت وعدم المشاركة لهما الوزن ذاته في منظومة سياسية مقسومة كما في إسرائيل ـ والولايات المتحدة ـ إلى معسكرين كبيريْن، واحد مع الائتلاف اليميني العنصريّ برئاسة بنيامين نتنياهو، ومعسكر آخر مناهض له يتألّف من أحزاب وتشكيلات سياسية متنوّعة غير متشابهة بالضرورة. فإذا امتنعت عن التصويت في منظومة كهذه فإنك تخدم، من حيث لم ترغب ولم تخطط، الكتلة اليمينية المهيمنة برئاسة نتنياهو ـ وهي كتلة استطاعت حتى الآن أن تخلق أجواء معادية للعرب الفلسطينيين المواطنين وأولئك في المناطق المحتلة. وشرّعت قانون القومية وقانون كمينتس اللذيْن يؤشّران على غايات وأهداف سياسة تنتقل بالبلاد إلى نظام تمييز عنصري سافر يكون فيها العربي هنا تابعًا وعبدًا للسيّد اليهودي وفي خدمته. وهي الكتلة التي أطلقت الجريمة المنظّمة تفتت مجتمعنا وتُخضعه للموت المتنقّل من بلدة لبلدة. بكلام آخر ـ عندما تمتنع عن التصويت (أو تُقاطع لأسباب ضميرية) فإن موقفك هو سلوك سياسيّ يُفيد اليمين الفاشيّ وأحزابه.
أما المشاركة في الانتخابات فيُمكن حسمها بحيث لا تصبّ إلّا في مناهضة هذه الكتلة اليمينة المهيمنة التي أعلنت عن مشروعها السياسيّ صراحة دون خجل منذ اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين في العام 1995 لأنه اختار أن يذهب في مسار التسوية مع الفلسطينيين واستند في سياساته على دعم أعضاء كنيست عرب مثّلوا شعبهم بشرف. وفي أساس هذا المشروع تصريف المسألة الفلسطينية دون حلّها وخفض مستوى مواطنتنا هنا. يُشار مثلّا إلى ما يحصل من اقتلاع لتجمعات عربية في النقب ونواحي الضفة الغربية وإلى محاولة التخلّص من 400 ألف مواطن في منطقة المثلّث. هذا ناهيك عن هدم البيوت بشكل شبه يومي وفرض غرامات باهظة وتقييد حقّ بناء المساكن وتحويل بلداتنا إلى بلدات تفجّر سكاني عُرضة للجريمة والعصابات والتفتيت.
من هنا، فإننا إذا نظرنا إلى الانتخابات كخطوة تكتيكية فإن على المواطن العربي أن يستثمرها في التصويت لحزب أو قائمة يناهضان بشكل واضح وصريح دون تأتأة أو مناورة ائتلاف حكومة نتنياهو العنصريّة والأكثر عداءً للعرب وحقوقهم. وإذا نظرنا إلى الانتخابات كخطوة استراتيجية ـ على المواطن العربيّ أن يسلك سلوكا استراتيجيًا ويعترض مشروع اليمين العنصريّ دفاعًا عن وجوده هنا. في الحالتيْن عليه أن ينطلق من أن التناقض الأساسي والصراع الأساسي الذي يُحدد كل شيء هو ذاك الذي بين السلطة اليمينية والائتلاف بقيادة نتنياهو وبين مجتمعنا العربيّ وأن كل الخلافات والنقاشات الداخلية ينبغي أن تُحسم داخليًا مع إعطاء الأفضليّة للوحدة وتجميع القوى لا لأجندات طائفيّة أو دينية يستثمرها اليمين العنصريّ لصالحه كما يفعل الآن.
في نهاية الأمر الانتخابات فرصة وليست كلّ شيء، أداة عمل سياسي وليست كل العمل السياسيّ ـ يُمكن للإنسان العربيّ أن يذهب وينتخب حزبًا يعترض على مشاريع اليمين العنصريّ وأن يحتفظ في الوقت ذاته بقناعاته ونقاشات وخلافاته مع القوى السياسيّة الفاعلة. الانتخابات في ظلّ كتلتيْن متصارعتيْن لا تترك لنا متّسعًا كي نمتنع أو نتفرّج على وقوع مصائرنا في أيدي يمين فاشيّ أمثال نتنياهو وبن جفير وسموتريتش. هؤلاء أثبتوا أنهم أساس البلاء ولا يُمكنهم أن يكونوا الحلّ بايّ شكل من الأشكال.