أوجه “التطهير العرقي” في اسرائيل – بقلم الكاتب الصحفي: ناضل حسنين
بقلم الكاتب الصحفي: ناضل حسنين – إن “التطهير العرقي” يعني التخلص من كافة الأعراق في البلاد والإبقاء على العرق الأقوى، صاحب السلطة. وفي حالتنا يعني التخلص من العرب سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة او حتى العرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل والإبقاء فقط على اليهود في البلاد.
ويمكن تنفيذ عملية “التطهير العرقي” بعدة أشكال، إذ يقوم المستعمر القادم الى البلاد الجديدة بطرد أهلها كما فعل المستوطنون اليهود الأوائل قبل قيام دولة إسرائيل إبان “النكبة” أو من خلال تجميع السكان غير اليهود في تجمعات سكنية محصورة في بقعة من الأرض لا تنتشر ولا تتسع.
وبما انه أصبح من غير الممكن في زمننا تهجير وطرد مجموعات بشرية سكانية كما في الماضي، وذلك بعد انتشار وسائل النشر الإعلامية السريعة التي تنقل الحدث مباشرة أينما كان بدون أي رقابة او تجميل، مما يمنع إسرائيل من اللجوء الى تكرار النكبة بصيغتها قبل 73 سنة، ولكنها تستخدم طرقا مختلفة في انتظار ان تؤتي بذات النتائج في وقت لاحق.
إذن “التطهير العرقي” يعني في نهاية المطاف، الإبقاء على العرق الاقوى صاحب السلطة والتخلص من أبناء بقية الأعراق وعدم تقاسم خيرات البلاد مع من تبقى منهم. ومن اجل هذا، تلجأ السلطات الإسرائيلية الى حصر المواطنين العرب في بلداتهم وعرقلة أي محاولة لأن تتوسع فوق أراض جديدة. ولذا نجد كل البلدات العربية تعاني العراقيل والمماطلة في المصادقة على خرائط هيكلية جديدة لمسطحاتها، ونجد لجان التنظيم اللوائية تماطل عشرات السنين بصورة متعمدة قبل المصادقة على هذه الخرائط الهيكلية، حتى إذا صادقت عليها تكون الاحتياجات الحالية للبلدة العربية قد فاقت ما تأتي به الخريطة إياها.
في ذات السياق يأتي قانون “كامينتس” لوقف البناء غير المرخص، وكأن المواطن العربي يعشق البناء غير المرخص. والبناء المرخص يفترض اعتماد خارطة هيكلية مصادق عليها وبعد إخضاعها لعملية “إفراز” الأراضي الجديدة التي أدرجت فيها لتهيئتها وترخيص البناء فيها.
وبما ان هذه العملية تستغرق عشرات السنين، يضطر المواطن العربي الذي يملك قطعة أرض ينتظر ادراجها ضمن الخارطة الهيكلية العتيدة، الى الشروع في انشاء منزل في هذه الأرض لأولاده الذين بلغوا سن الزواج وهم بحاجة لبيوت منفصلة للعيش مع اسرهم. عندها يقع هذا المواطن تحت طائلة قانون “كامينتس” الذي جاء بالضبط لمنع هذه الظاهرة ومن اجل حشر المواطنين العرب في رقعة أرض ضيقة لا تتسع بوتيرة الزيادة الطبيعية للسكان.
بل أكثر من هذا، فقد سمعناها في كثير من المناسبات ومن افواه العديد من المسؤولين الإسرائيليين بأن علينا اعتماد البناء العامودي، أي متعدد الطوابق وعدم الاعتماد على البناء الافقي أي فوق اراضٍ جديدة.
هنا علينا تذكير الجميع ان قضية الأرض في إسرائيل تعتبر من أشد الأمور حساسية وتكاد تضاهي الحساسية الأمنية في التعامل معها. فهي عنصر استراتيجي بالغ الأهمية بنظر السلطات الإسرائيلية. ونتيجة لهذه السياسة المتواصلة منذ قيام الدولة ولغاية اليوم، فقد تبقى بملكية المواطنين العرب حاليا ما نسبته 2% من الأراضي في البلاد بعدما كانت بملكيتهم كافة الأراضي بين النهر والبحر ذات يوم.
لقد كانت السلطات الإسرائيلية على مدار السنين تشرع القوانين وتنتهج كل اشكال التحايل على المواطن العربي من اجل الاستيلاء على ارضه. ومن الطرق التي اعتادت على اتباعها، هي ان يتم الاستيلاء على مساحة من الارض تكون عادة بملكية عربية، وإعلانها “منطقة عسكرية مغلقة”، يحظر دخولها وفقا لقوانين الطوارئ المعتمدة في اسرائيل منذ عهد الانتداب البريطاني، بدعوى استخدامها للتدريبات العسكرية.
وبهذه الطريقة يحرم أصحابها من استخدامها لسنوات بل وأحيانا لعشرات السنين، الى ان يأتي يوم ويفقد اهلها الأمل باستعادتها، فيوافقون على قبول التعويض المالي البخس بدلا عنها، لتستولي عليها الدولة ومن ثم تقيم عليها بلدات يهودية. (بلدة تسور يتسحاك التي اقيمت على اراضي أهالي الطيبة خير دليل على ذلك).
لم تتوقف محاولات الاستيلاء على الأراضي العربية في إسرائيل على قلتها، رغم استبدال الطرق والوسائل في تنفيذ هذا الهدف. فإذا كانت في الماضي من خلال المصادرة المباشرة، فإنها اليوم تتم من خلال منع الأهالي من التمدد فوقها، لتبقى فارغة حتى يسهل الاستيلاء عليها ومصادرتها.
وعلينا ألاّ ننسى ان “قانون القومية” يعتبر هذه البلاد، وطنا قوميا لليهود فقط وأنها دولة اليهود، أي انها ملك لليهود. كما ينص “قانون القومية” ان لليهود فقط حق تقرير المصير في هذه البلاد دون غيرهم.
وفي غياب قانون أساس ينص على المساواة بين المواطنين العرب واليهود، فإن حق تقرير المصير يعني ان كل ما يعتبره المواطنون اليهود (السلطات) ضروريا للصالح العام سيتم توظيفه للصالح العام، وعليه يمكن مصادرة ارض عربية باسم الصالح العام حتى وإن كان هذا الصالح العام يتعارض مع صالح المواطنين العرب، فهي ليست دولتهم ولا هم يتمتعون بحقوق متساوية فيها وفقا للقانون.
وعلى طريق التطهير العرقي، حاولت السلطات الإسرائيلية قبل سن قانون كامينتس، الاستيلاء على أراضي بدو النقب وتجميعهم في أماكن محدودة من خلال خطة “برافر” التي عاد ذكرها مجددا هذه الأيام.
خلاصة القول ان خطة “برافر” وقانون “كامنيتس” و”قانون القومية”، كلها إجراءات هدفها في نهاية المطاف “التطهير العرقي” ولو جاءت لينة عما كانت إجراءات الماضي. فهي ترمي الى خنق البلدات العربية وتجريدها مما تبقى من أراضيها وحصر أهلها في رقعة صغيرة بعيدا عن العرق الأقوى صاحب السلطة.