تأملوا به كثيرا ورأوا به المنقذ والمخلص، لكن سرعان ما خاب ظنهم في ذلك “الشاب الوسيم الساحر” مفتول العضالات، الذي نادى “بسياسة جديدة” ورفع مكانة الطبقة الوسطى التي تتلاشى من الحمل الثقيل الذي أنهك كاهلها، فوجد نفسه “ينجبل” سريعا في سياسة العدم وانغلاق الأفق، سياسي من أولئك المحسوبين على ما يعرف “بالعُجّز القدامى”.
تعوّد الناخب الاسرائيلي من أبناء اليهود على مثل هذه الأحزاب، “أحزاب الموضة” التي لطالما خيبت آماله كل مرة من جديد! لكنه لم يتعلم ويستخلص العبر منها، فمن حزب الاب “تومي” “شينوي”(التغيير) الى “كديما” (الى الامام)، مرورا بحزب الابن “لبيد” “ياش عتيد” (هناك مستقبل) وصولا الى الحزب “الأعرق” “البيت اليهودي” بقي الناخب اليهودي “مكانك عد، دون تغيير، فاقد الأمل في المستقبل وقد يجد نفسه دون بيت ايضا”!!! محبط، وعن أي مستقبل يتحدثون لا أعلم؟! والافق السياسي مغلق!!! اما حزب “هتنوعاه” “الحركة” حامل لواء تحريك عجلات العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني فقد بقي مشلولا رابضا كربوض عجلاتها وإن حاول القاء حجر لتحريك مياه العملية السياسية الراكدة، إلا أن زعيمته سرعان ما بدأت تروج الشعارات نفسها المغلوطة المشوهة لتحاكي رغبات ما يعرف “بالتيار المركزي” في اسرائيل: لا يوجد شريك، شريك للسلام! وكل هذا في سبيل البقاء على الكرسي.
ما يحدث في المنطقة من عدم استقرار سياسي، اجتماعي واقتصادي، هو نتيجة مباشرة للضغوطات المتراكمة على المواطن البسيط، الذي ما ان يبدأ بالمطالبة بحقوقه حتى يأتي ويطل عليه “الأخ الأكبر” مخوفا له، دابا الرعب في فرائصه من خلال اشعال وافتعال الأزمات، محملا إياه “المسؤولية الجماعية”، واضعا أمامه خيارين احلاهما مر، المحافظة على استمرار العيش في البلاد وما يعرف بالكيان و”المجموعة” مقابل المطالبة في ابسط حقوقه: حياة كريمة، لقمة العيش والطعام، ليجد نفسه المواطن البسيط متنازلا عن احتجاجاته الاجتماعية، راكضا من خلف القوت، منهمكا، باذلا جهودا مضاعفة في سبيل كيفية التحصل على نفس “اللقمة” غير مكترث لما يحدث من حوله من أحداث! مهمشا مغيبا تاركا الحبل للسياسيين على الغارب… تبا لسياسة “الخبز والتسالي”!!
المراوغات السياسية في اوجها وتبلغ ذروتها في سبيل البقاء على الكرسي من خلال طرح قوانين “أكل عليها الدهر وشرب” تحاكي رغبات كل تياره ومنتخبيه، قوانين منها العنصرية ومنها ما هو اكثر من ذلك وأبعد، فالدولة التي لطالما تغنت بديمقراطيتها قد تخلع ثوبها الديمقراطي لتبقى بثوبها اليهودي، فقط حتى يُرضي بعض سياسيها ناخبيهم، وكيف لا؟ والانتخابات تبدو في الأفق على مرمى حجر، فلماذا تأجلت مشاريع هذه القوانين ولم تُعرض قبل عام او عامين؟! ولم يتعرض الائتلاف الحكومي الى مثل هذه الهزات ليبدو هشا اكثر من ي وقت مضى مثلا؟ بالطبع، لان الانتخابات على ما يبدو على الأبواب، فإلى متى سيتحمل رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو تضارب القوانين، الاضداد عنوانها، بين أحزاب ائتلافه، وبعد كل ما ذُكر يأتي أحد أبناء “شعب الله المختار” معايرا لي، ضاحكا مني، مستهزئا بي وبوضعنا السياسي، متفاخرا بتعددية لا تعدو أكثر من كونها شكلية صورية، نعم تعدديتكم “تعددية شكلية”، فالوجوه وإن بدلت اماكنها تبقى هي نفسها!! ليبقى “شعب الله المختار” في احزابه مشلول الحركة، مكانك عد، دون تغيير ومستقبل، مهددا نفسه في فقدان البيت، ما دام يتبع خطوات “زمرة” مستمرة بتضيع فرص السلام وحل الدولتين للشعبين، فبربك “لا تعايرني يا ابا صْوَي وأنا أحسن منك بشوي”، تعامل معي كانسان، فأبواب السلام لا يدخلها، إلا من يحمل الصفات الإنسانية ومن يتمكن من اختيار قيادة جريئة همها، بالمقام الأول، مصلحة شعبها غير مكترثة للبقاء من خلال “صراع البقاء” على الكرسي، فمن يصنع السلام هي الشعوب من خلال حسن اختيارها، وليست القيادة، فأحْسِن الاختيار! عندها فقط يمكن، يمكن ان نصنع معا السلام.