نتانياهو يقر بالتناقض الجوهري بين دولة المواطنين ودولتين لشعبين، بقلم حنين زعبي
تطرح كل القوانين العنصرية التي يقترحها نتانياهو وغيره فكرتين أساسيتين: الأولى: “حماية” الامتيازات اليهودية من أي تقييد ديمقراطي(قانونين اثنين)؛ الثانية: عقاب وتجريم من يؤيد النضال أو من هو منخرط فيه (أربعة قوانين).
في نصف هذه القوانين يحضر مشروع التجمع (قانون إسرائيل كبيت قومي، وقانون قسم الولاء)، وخطاب التجمع المستند على حقنا في النضال، وعلى رفض اعتباره عنفا أو إرهابا (قانون زعبي)، كفاعل رئيسي الذي يطرح البديل والتحدي الوحيد لمبدأ الدولة اليهودية، والخطاب السياسي الأكثر ثباتا ووضوحا فيما يتعلق بحقنا في النضال.
وهنا يقع السبب السياسي العميق لملاحقة المؤسسة الإسرائيلية للتجمع الوطني الديمقراطي، فهي لا تلاحقهم فقط بسبب “أسلوبهم” غير “المقبول” على القامع، أو بسبب “خيانة”، أو “تمرير معلومات لحزب الله”، أو بسبب تصريحات عينية، أو نشاط سياسي عيني فقط، ولا تعود إلى كوننا وطنيين أو نعبر عن مواقف وطنية ثابتة، فنحن لا نحتكر الوطنية، ولا المواقف الوطنية، ولم نخلقها، بل يعود إلى أن إسرائيل ترى فينا البديل والنقيض الفكري السياسي الوحيد لمبدأ الدولة القومية/ الدولتين القوميتين دولتين لشعبين.
هذا الشعار/ المبدأ يتيح لكل من يقبل به، إلغاء كل التقييدات الديمقراطية أو الحقوقية على “يهودية الدولة”. وفي هذه النقطة تحديدا، يقر نتانياهو بالتناقض الجوهري بين ‘دولة المواطنين’ وبين “دولتين لشعبين” حين صرح على منصة الكنيست بالقول: “أفهم لماذا يعترض من ينادي بدولة المواطنين على قوانين القومية اليهودية، لكن لا أفهم لماذا يعترض عليها من ينادي بدولتين لشعبين”.
إن نتانياهو ليس عنصريا فحسب، وإنما يقرأ الخارطة السياسية والتحديات التي تواجهه، بشكل صحيح أيضا، وبالتالي يخطئ من يظن أن هذه القوانين تعكس فقط مزاج الشارع الإسرائيلي في تقبل هذا الانجراف، وبالتالي في مكافأة نتانياهو عليه، سواء كان ذلك في الانتخابات الداخلية لليكود، أو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. هنالك أيديولوجية تعكس نزوع نتانياهو إلى مواقف أكثر يمينية، وتقف وراء محاولاته الحثيثة لتحويل أيديولوجية اليمين لأيديولوجية رسمية للدولة، ويتبنى نتانياهو بذلك مبدأ نظام الحزب الواحد، أو بالأحرى نظام الأيديولوجية الواحدة.
كما يخطئ من يظن أن قانون “إسرائيل كبيت قومي اليهود فقط”، لا يغير من الواقع شيئا، وأن الدولة كانت عنصرية وستبقى عنصرية. صحيح أن القانون لا يغير من عنصرية الدولة، لكنه يغير من تعامل الدولة مع عنصريتها، فهو يحول العنصرية من أداة وثقافة وسياسة شرعية، إلى مبدأ مؤسس. وبذلك تكون اسرائيل قد اعترفت بنفسها ولأول مرة بعد إنكار متواصل، بأن عليها الحسم بين يهوديتها و”ديمقراطيتها”، وأنها لا تستطيع اللعب في كل الميادين. ويكاد يكون هذا القانون نقطة تاريخية، فيه تعترف اسرائيل أولا بأن هنالك تناقضا بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، وثانيا بأنها تغلب يهوديتها.
هذان الاعترافان يشكلان نقطة الاتفاق مع “دولة المواطنين” – برنامج التجمع، الذي أعلن فيه التجمع منذ نشأته أن الدولة اليهودية أو النصف الأول من شعار دولتين لشعبين، هو برنامج غير ممكن، وأن الحسم فيه لا بد سيكون لصالح الصهيونية. وعلى أساس هذا الاعتراف بنى التجمع مشروعه على الشق الديمقراطي من المعادلة، وطرح مشروع ‘دولة المواطنين’.
لا يشكل التجمع نقيض قوانين القومية والولاء فقط، بل يشكل نقيض قوانين تجريم النضال الفلسطيني، إذ يمثل تأكيدنا على حقنا في النضال ضد الاحتلال وجرائمه، وضد الإرهاب الإسرائيلي وجرائمه. وإن رفضنا التعامل مع نضالنا كإرهاب، وتأكيد حقنا فيه، هو أكثر ما يثير غضب المؤسسة الإسرائيلية بعمومها وبيمينها بشكل خاص.
بالتالي ليس صدفة أن “قانون زعبي” ينص على إبعاد عضو كنيست تحت بند “تأييد منظمة إرهابية”، على اعتبار أن النضال الفلسطيني إرهاب، وليس نضالا شرعيا ضد الإرهاب والاحتلال والجرائم.
وليس خافيا على أحد أن نتانياهو يسمح بهذا الوضوح وهذا الاسترخاء في تحقيق نزعات يمينية عنصرية، ليس فقط بسبب ديناميكيات إسرائيلية داخلية، بل لانعدام ديناميكيات خارجية تمنعه من ذلك، وعلى رأسها: انعدام وضوح مشروع وطني فلسطيني موحّد، وإستراتيجيات نضال موحدة.
نحن نتمسك بمواقفنا الوطنية، وجميعها إنسانية وأخلاقية من الدرجة الأولى، لا تنادي للقتل ولا تنادي للعنف، ونطرح مشروعا سياسيا نضاليا يحارب العنصرية والاحتلال والقتل والقمع، مستنداً للقيم الإنسانية الكونية وعلى رأسها الحرية والعدالة والمساواة وكرامة الانسان، ومتصالحا تماماً مع شرعية الضحية في النضال من أجل حريتها.