المقاومة سيف للمفاوضات – بقلم: نضال محمد وتد
يمكن القول دون الخوض في تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار، ولا في تقييم هذا الاتفاق، إن أداء المقاومة الفلسطينية طيلة أيام العدوان، أثبت أن المفاوض الفلسطيني (وفي هذه الحالة حماس والجهاد) أثبت قاعدة أساسية كانت تحملها فتح أيام أبو عمار، وفي الانتفاضة الأولى لكنها تخلت عنها منذ اعتلى أبو مازن دفة الحكم ألفلسطيني وهي أن المقاومة على ألأرض تبقى سيف المفاوضات، الورقة الرابحة لشعب يقاوم الاحتلال ولا يمكن استبدالها ولا بأي شكل من الأشكال باستجداء الضمير العالمي أو مجلس الأمن الدولي، خصوصا إذا كان الطرف الآخر يعتبر نفسه صاحب الحضارة الذي يعيش في الأدغال وبالتالي يحق له قتل كل ما يتحرك من حوله بدلا من السعي للحوار والتفاوض معه.
ولعل أكثر ما يدلل على صحة مقولة المقاومة هو أن أحدا لم يلتفت لحكومة فيشي الفلسطينية في رام الله، التي صارت عقيدتها في الحياة مفاوضات وتنازلات، باستثناء اللفتة الأخيرة التي قامت بها كلينتون في محاولة منها لإنعاش من مات شعبيا وجماهيريا ، لأنه سكت طيلة أيام العدوان، لكنه أرسل بعض تنابلته للتصريح بأن السيد الرئيس وسلطته كانا قدما للمقاومة مساندة سياسية وشرعية دولية (أين هي أصلا). وحتى محاولات بعض أقطاب اليسار في إسرائيل ، ومعهم بعض الشيوعيين النفخ في رماد سلطة رام الله ، ذهبت أدراج الرياح وأساءت لمن يساند سلطة فقدت كل شرعيتها دستوريا، وشرعيتها الأخلاقية وانقلبت على التاريخ المجيد لحركة فتح وباتت نسخة مطورة عن روابط القرى تسهر على أمن الاحتلال باسم التنسيق الأمني، وتقمع أبناءها إرضاء للاحتلال.
وعودة إلى المقاومة، وبالرغم من الخسائر البشرية الهائلة التي تكبدها شعبنا في القطاع (140 شهيدا) فيما سلطة فيشي الفلسطينية في رام الله تصم أذانها عن صراخ الأطفال وتشيح بوجهها عن دماء الناس لانشغالها بـ “حشد التأييد الدولي والشعبي لمبادرة السيد الرئيس لنيل الاعتراف بدولة فلسطين” ، فقد تمكنت المقاومة من تحقيق إنجازات معنوية رسخت في الوعي الفلسطيني كما في وعي الجانب الإسرائيلي. وأهم هذه الانجازات القدرة الذاتية على تطوير دفاع وحماية للمقاومة بفعل المقاومة نفسه وليس بقميص عثمان، والرد على ضربات المعتدي، واختراق حاجز الغرور النفسي عند الجانب الإسرائيلي ليتضح أن الإسرائيليين في نهاية المطاف بشر يخافون الصواريخ، وأن تل أبيب ليست محصنة وهي في مرمى المقاومة إذا شاءت المقامة ذلك.
مع ذلك وبالرغم من ترسيخ أهمية المقاومة لدعم ومساندة الفلسطيني، تعلو عدة تساؤلات تتعلق بمستقبل المقاومة ومستقبل القطاع، ومدى قدرة حماس بعد اليوم على حماية استقلاليتها، أو بكلمات أخرى إلى أي مدى ستتمكن حماس والجهاد الإسلامي بعد اليوم من الوقوف في وجه مصر وقد توجتها الولايات المتحدة راعية لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
هل تعني هذه الرعاية مثلا أن غزة عادت عمليا إلى أيام الإدارة المصرية في الخمسينيات والستينيات، وهل أصبحت غزة ساحة خلفية لمصر تأخذ فيها مصر الدور الذي لعبته سوريا لسنوات في لبنان، ولكن ليس على محور الممانعة وإنما على طريق الحوار المصري مع الغرب ومع المشروع الأمريكي في المنطقة. وهل ترسيخ حماس، أو دولة حماس يأتي ضمن استراتيجية جديدة تحلم بترسيخ الانشقاق الفلسطيني، دولة في القطاع وأخرى في الضفة الغربية مما يريح إسرائيل لفترة من الزمن من إشكالية التجاوب مع مسيرة سلمية نحو حل دولتين لشعبين مثلا، طالما أن الانشقاق قائم.