“رحل الحكيم الصادق وليد صادق”! بقلم فالح حبيب
وليد صادق أيها العصامي وقبل كل شيء إنسان إنساني … حين كتبت بعض المقتطفات عن سيرتك وسيرورتك الطيبة العامرة لم أكن أعلم أنني أسطر وأنثر حروف نعيك وأكتب، ارثيك وكيف لي أبا خالد؟!! هذا هو القدر يا أبا خالد…
من سيرفع سماعة هاتفه يهاتفني سألا عن احوالي، مطمئنا على صحتي، من سأهاتفه مصطدما في ضحكته قائلا لي: كيفك أيها الحبيب، كيفك يا ابني… آه يا أبا خالد لو تعلم كم احببتك واحترمتك، كنت تعلم ذلك، فالصداقة بيننا كانت متينة وطيدة، ورغم فارق السن، إلا أنك وبتواضعك وشهامتك حافظت على العلاقة الحميدة الوطيدة الأبوية الأخوية بيننا، قبل ساعة تقريبا حاولت الاتصال بك كالعادة لنتبادل أطراف الحديث في السياسة والمجتمع، لكن دون جدوى، هذه المرة لم أسمع ضحكتك الحقيقية الشفافة ونبرة صوتك المخملية المجبولة من تراب الوطن، لم أكن أعلم أنك فارقتنا، حتى اتصل بي أحد الأصدقاء مستفسرا من صحة نبأ وفاتك، فتصلت على عجالة من امري بأحد الاخوة الذي أكد لي خبر المر العلقم. عائد أنا من القدس عمي وأخي وصديقي أبا خالد مفتشا عن الطريق باحثا عنه فدموعي قتلت أعيني، تلك القدس التي فيها قضيت معظم حياتك وأحببتها حتى آخر ذرات ترابها… لم تكن علاقتي بك مجرد رسائل قصيرة لرفع العتب والمجاملة، بل كانت حقيقية راسخة منك تعلمت الكثير، سأذكرك سياسيا صلبا محنكا، قد يكون هناك من يختلف مع فكرك وتوجهاتك ورؤيتك! لكنك سطرت ونثرت مسيرة حياة زاخرة بالاجتهاد، بالعطاء والعمل دون كلل أو ملل، تكفي لنقول لك عليها شكرا، حبا، تقديرا، اجلالا واحتراما…
عشت واقعيا مكافحا وجسرا في سبيل “العيش المشترك” لتطبيقه قولا وفعلا، لا حبر على ورق، قد يختلف معك البعض من يدري، يجوز، مدعيا “الوطنية المثالية الوهمية”!! ولكن ما لا شك فيه أن تواضعك وابتسامتك، احترامك لفكرك وثباتك عليه فرض، وبكل تأكيد، على كثيرين احترامك ومحبتك…
من طين وازقة الطيبة ومن تحت شجرة البلوط انطلقت ومن تجذرها قوتك رضعت:
أبا خالد مسيرة كفاح على طريقتك، من الطيبة إلى القدس إلى “براغ” و”بودابست” وأوروبا بشطريها، إلى تونس إلى سوريا وإلى وإلى… ناضلت حتى نعيش على ارضنا أصحاب هوية بقناعاتك وسبل تطبيقها ووضعت اصبعك على قضية نعيشها على جلودنا يوميا، فكلنا “منفيون” في وطني… ولا “خائن متأرجح”، إلا من يخون فكره ووطنه ولا يعمل بكد من أجل تحقيق مصالح شعبه، فماذا ومن يكون الوطني إذا؟!… الحاكم العسكري وكلبه آنذاك تركا عليك علامة لن يمحوها الزمان وتركا في قلب قلبك جرجا نفسيا نازفا إلى ما بعد الحياة, لكنه أشعل في روح صبي صغير يافع التأمل والتمرد معا، لينطلق من ازقة قرية آنذاك منسية ومن تحت شجرة التفكر والتأمل, شجرة البلوط المتجذرة الممتدة، إلى ما قبل الدولة، ليصل إلى “النجومية السياسية” وإلى محافل دولية اقترن اسم بلده فيها فيه، وكم ينقصنا من “وليد” جديد في هذا الزمان؟!! لم تقف مراقبا في الظل لاعنا غياهب عتمته من على “شرفة أعضاء الكنيست”!، بل حاولت بث النور وتغيير الواقع بواقعية من منظورك وفقا لمتطلبات الوقت والزمن… رجل السلام الخفي ومن ينكر، فأسوار وأزقة رام الله ومقاطعتها تشهد… ولتبقى شامخا في تاريخ الوطن كشموخ “شجرة البلوط” الأبدية حتى، وإن حاول بعضهم المس والنيل من شخصك ووطنيتك, فأنت وليد الوطني كنت وستبقى… فالزمان كما الزمان لا وقت فيه ولديه فأصبحت كمن لم يسطر التاريخ وكمن عاد ليجلس تحت شجرة البلوط نفسها مغلقا دائرة مسيرة حياة طويلة منسية أو “غير معروفة” لدى الكثير من ابناء جيلي في هذا الوطن، لكن كن على ثقة وإن لم ينصف الزمان رجاله سيكون هناك من ينصفهم… أبا خالد باق فينا متجذرا، عزيزا، مكرما… سأفتقدك، سأفتقدك، سأفتقد البسمة الملائكية على شفهاك، سأفتقد تجاعيد وجهك التي تروي حكاية وطن، “إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون”، احبك أبا خالد آه كم لو تعلم… ستبقى خالدا في نفسي أبا خالد، رحم الله وليد الوطن وليد الوطني.
لا فض فيك أخ فالح حبيب
رحمك الله أبا خالد وأسكنك فسيح جناتة وألهم عائلتك وكل من أحبك وقدرك حق قدرك في هذا البلد الطيب وسائر ربوع الوطن الصبر والسلوان وجعل من أبنائك خير خلف لخير سلف .
انا لله وانا الية راجعون .
ان لله وان اليه راجعون. رحمه الله واسكنه فسيح جناته. اخي فالح انشر بعضا من مواقفه المناضلة ان استطعت مشكورا.