الاعتقال الاداري صنعه الانتداب البريطاني وورثه الاحتلال الاسرائيلي
الاعتقال الإداري هو الاعتقال الذي يصدر من جهة ما بحق شخص ما دون توجيه تهمة معينة أو لائحة اتهام بحيث يكون بناء على ملفات سرية إستخبارية أو بسبب عدم وجود أو لنقص الادلة ضد متهم ما.
الاعتقال الاداري موروث تركه الانتداب البريطاني
بدا هذا النوع من الاعتقال منذ الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين واستمر به الاحتلال الإسرائيلي ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ففي العام 1945م، اعتقلت سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين، عددًا من الفلسطينيين، وحولتهم للاعتقال الإداري، لعدم وجود أدلة كافية تثبت التهم الموجه إليهم، حتى بات قانون الاعتقال الإداري سيفًا مسلطًا على رقاب الفلسطينيين منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حتى اليوم الحاضر.
دون لائحة اتهام ودون محاكمة
وبرز الاعتقال الاداري بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية، اذ يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد المناضلين الفلسطينيين الذين لم يثبت ضدهم مخالفات معينة، فإذا وجد ضابط المخابرات ان شخصا يشكل خطراً على أمن المنطقة، يستطيع بجرة قلم أن يحوله للاعتقال الإداري دون إبداء الأسباب. اي وفق أمر إداريّ فقط، من دون لائحة اتهام ومن دون محاكمة. ويُمكن لاعتقال كهذا أن يُعتبر قانونيًا في ظروف خاصة. لكن، ونتيجة للانتهاك الشديد اللاحق بحقوق الأسير والمتعلق بهذه الوسيلة من الاعتقالات، قضت المحكمة الدولية بالسماح باستخدام هذه الوسيلة في حالات استثنائية فقط، على أن تكون الوسيلة الأخيرة الممكنة، وفي ظلّ انعدام أي طريق بديلة لدرء “الخطر”. ورغم ذلك، فإنّ السلطات الإسرائيلية تستعين بالاعتقال الإداريّ كمسألة روتينية، وقد اعتقلت على مرّ السنين آلاف الفلسطينيين اعتقالاً إداريًا متواصلاً.
وبحسب المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية والحقوقية فإن سجن أي شخص دون توجيه تهمة له أو تقديمه للمحاكمة خلال فترة زمنية محددة، يعدّ خرقاً خطيراً لحق الفرد في الحماية من الاعتقال التعسفي، كما ويحقّ لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني الحصول على تعويض.
ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عام 1967، ارتفعت معدّلات المعتقلين إدارياً، ليسجل بعد ذلك الحين انخفاضاً ملموساً بعد عام 1977، وفي الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) عام 1987، أعادت إسرائيل سياسة الاعتقال الإداري، حتى وصل عدد المعتقلين الإداريين في ذلك العام عشرات الآلاف.
سلطات الاحتلال تدعي بانه يحق لها احتجاز الأشخاص الخاضعين لسلطتها
وتدعي سلطات الاحتلال أنه بموجب المادة 78 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب (1949)- الاتفاقية الرابعة-، يحق لها أن تقوم باحتجاز الأشخاص الخاضعين لسلطتها تحت الاحتلال للاعتقال الإداري.
تنص المادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة على “إذا رأت دولة الاحتلال لأسباب أمنية قهرية أن تتخذ تدابير أمنية إزاء أشخاص محميين، فلها على الأكثر أن تفرض عليهم إقامة جبرية أو تعتقلهم”.
يحق لكل معتقل إعادة النظر في القرار المتخذ بشأنه
وتشير المادة 79 من اتفاقية جنيف الرابعة للمادة 43 من الاتفاقية والتي تنص على “أي شخص محمي يعتقل أو تفرض عليه إقامة جبرية له الحق في إعادة النظر في القرار المتخذ بشأنه في اقرب وقت، بواسطة محكمة أو لجنة إدارية مختصة تنشئها الدولة الحاجزة لهذا الغرض، فإذا استمر الاعتقال أو الإقامة الجبرية، وجب على المحكمة أو اللجنة الإدارية بحث حالة هذا الشخص بصفة دورية، بواقع مرتين على الأقل في السنة، بهدف تعديل القرار لمصلحته إذا كانت الظروف تسمح بذلك”.
الواضح من نص المادة أعلاه أن المراجعة لقرار الاعتقال من المفضل أن تكون أمام لجنة مؤلفة من عدة أشخاص وليس فقط من شخص واحد، وهذا يساعد في البحث الموضوعي أكثر في قضية المعتقل، والهدف من المراجعة هو تعديل القرار بما يتلائم ومصلحة المعتقل وليس العكس. البحث في الأوامر العسكرية والتعديلات التي جرت عليها خلال سنوات الاحتلال الطويلة، تشير إلى أن الهدف من المراجعة القانونية لأوامر الاعتقال لا يتلائم ومطالب الاتفاقية.
القائد العسكري، والمخول بإجراء التعديلات كلما اقتضت الحاجة
المراجعة تتم من قبل قاض عسكري وليس لجنة، وكان في السابق يتم استدعاء مندوب المخابرات في بحث كل ملف لعرض البينات السرية بالتفصيل من قبله أمام القاضي، ولكن في فترة إعادة الاحتلال لمدن الضفة الغربية تم التنازل عن هذا الإجراء، ويقرر القاضي اليوم هل سيستدعي المخابرات أم لا، وهذا يعني أنه في الغالبية المطلقة من الحالات يقوم القاضي بالإطلاع على ملخص البينات ضد المعتقل وليس كافة المواد السرية، ولا تتاح له الفرصة لمناقشة رجل المخابرات كيف تم الحصول على هذه المعلومات، وكيف تم فحصها للتأكد من صحتها.
يتم إحضار المعتقل أمام القاضي خلال 8 أيام من يوم إصدار أمر الاعتقال الإداري، بينما بموجب القانون الإسرائيلي خلال 48 ساعة، وهذه المدة تخضع لصلاحية القائد العسكري، والمخول بإجراء التعديلات كلما اقتضت الحاجة، كما حدث في نيسان 2002 حيث مددت الفترة لمدة 18 يوماً.
في السابق إذا صدر الأمر لمدة 6 شهور وجب مراجعته قانونياً من قبل قاض عسكري مرتين خلال هذه الفترة، وهناك حق بالاستئناف على كل قرار يصدر من القاضي، أما منذ نيسان 2002 أبطل هذا الإجراء وتتم المراجعة فقط مرة واحدة مع الحق بالاستئناف. أيضا كان على القائد العسكري أن يبرز مكان الاحتجاز في الأمر نفسه، أما الآن فلا داعي لذلك وممكن نظرياً احتجاز المعتقل الإداري في كل مركز توقيف أو سجن.
الواضح أن القائد العسكري له الصلاحية أن يقوم بإجراء أية تعديلات على الأوامر العسكرية المتعلقة بالاعتقال الإداري بما يتلائم والضرورة العسكرية، دون الأخذ بالحسبان أية معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين إما بموجب اتفاقية جنيف الرابعة أو قوانين حقوق الإنسان المتعلقة بحقوق المعتقلين.
1997 خاض الأسرى حملة مكثفة ضد الاعتقال الإداري
وفي عام 1997 خاض الأسرى حملة مكثفة ضد الاعتقال الإداري، مما أدى إلى انخفاض عدد المعتقلين الإداريين بشكل ملموس، إلا أن السلطات الإسرائيلية عادت مجدداً إلى الزجّ بآلاف الفلسطينيين في السجون، وإصدار أوامر اعتقال إدارية بحق الكثير منهم، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
وبحسب إحصائيات، صدرت خلال سنوات الانتفاضة الأولى (1987- 1994)، 18973 أمراً إدارياً. وصدر خلال سنوات الانتفاضة الثانية (2000- 2007)، قرابة 18000 قرار إداري. وأعلى عدد للأوامر الإدارية: صدرت في أعوام 1988، 2003، 2006، 2007. وتراوح عدد الأوامر الإدارية الصادرة خلالها ما بين (2000-4000) أمراً إدارياً بين جديد ومجدد.
37 نائبا فلسطينيا تعرضوا للاعتقال الاداري
وتعرض 37 نائبا فلسطينيا للاعتقال الإداري، منذ فوز عام 2006، إضافة إلى 3 وزراء من الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية في حينه، فيما تواصل إسرائيل اعتقال نائبين في الاعتقال الإداري حتى اليوم، وهما: محمد النتشة ومحمد بدر.
وكانت محكمة إسرائيلية في نيسان/أبريل الماضي، أصدرت حكما بالاعتقال الإداري ستة أشهر على النائب عن الجبهة الشعبية خالدة جرار، ثم عادت وأحالتها للمحاكمة بتهم واضحة.
ومن أبرز الأكاديميين الذين تم اعتقالهم إداريا لسنوات، أحمد قطامش، قضى ما مجموعه ثمانية أعوام ونصف، كان آخرها مدة عامين متتاليين، وأمضى الأسير غسان ذوقان، نحو 8 أعوام وما يزال حتى اليوم رهن الاعتقال الإداري، فيما أمضى وليد حرب ما مجموعه 72 شهرا، خلال 16 عملية اعتقال.
خضر عدنان يعد مفجر معركة الأمعاء الخاوية
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان، يعد مفجر معركة الأمعاء الخاوية (الإضراب عن الطعام)، حيث أضرب 66 يوما رفضا للاعتقال الإداري عام 2012، تبعه نحو 30 أسير في ذات العام كان أبرزهم، الأسيرة المحررة هناء الشلبي، وثائر حلاحلة، وبلال ذياب، وجعفر عز الدين، وطارق قعدان.
وفي العام 2014 أعلن 130 معتقلا إدارياَ إضرابا عن الطعام، استمر 63 يوما، مما دفع إسرائيل في الحالتين إلى التعهد بإعادة النظر في الاعتقال الإداري، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.
محمد علان آخر أسير فلسطيني، يحقق نصرا على الاعتقال الإداري
وعاد الأسير عدنان مرة أخرى عام 2015، وخاض إضرابا استمر 55 يوما، رفضا للاعتقال الإداري، وأفرج عنه في تموز/يوليو الماضي.
وكان الأسير محمد علان، آخر أسير فلسطيني، يحقق نصرا على الاعتقال الإداري، بعد إضراب دام أكثر من شهرين، أدّى إلى تدهور وضعه الصحي، ودخل في غيبوبة عدة مرات، في النهاية اضطرت المحكمة العليا الإسرائيلية “تعليق” اعتقاله.